السنة الرابعة جمادى الآخرة 1446 هـ - ديسمبر 2024 م


عبد الله أبوذكري
شعب الإيمان (5)
عبد الله أبوذكري

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، تكلمنا في المقالات السابقة عن الشعبة الأعلى في شُعب الإيمان وهي (( قول لا إله إلا الله ))، فهي شُعبة الذِّكر وطوَّفنا في هذا الذكر العظيم بكلمة التوحيد، ثم الاستغفار والصلاة على الحبيب المختار صلى الله عليه وآله وسلم، والأذكار كثيرة على السَّعة، ومنها الباقيات الصالحات وهي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النارِ ؛ قولوا : سبحانَ اللهِ ، و الحمدُ للهِ ، ولَا إلهَ إلَّا اللهُ ، واللهُ أكبرُ ، فإِنَّهنَّ يأتينَ يومَ القيامةِ مُقَدِّمَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ وَمُجَنِّبَاتٍ ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ )) أخرجه النسائي في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه، وجُنَّتَكم يعني حمايتكم، فهي الباقية للإنسان الحامية له من النار، فتأتي تحيط بصاحبها المكثر من ذكرها فتحيطه وتحميه من النار.

 وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( الطُّهورُ شطْرُ الإيمانِ ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ ، وسُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ تَملآنِ ما بين السماءِ والأرضِ )) أخرجه مسلم عن أبي مالك الأشعري، فالحمد لله تملأُ الميزان يوم القيامة لفضلها ولعظمها لأنّها كلمة الرضا عن الله والشكر لله والاعتراف بالعبودية والإذعان له سبحانه وتعالى والإقرار بكل خير وفضل يعيش فيه أنه من المولى سبحانه وتعالى، فهي كلمة عظيمة تغيّر أحوال الإنسان، لأنّ الإنسان الذي لا يعيش في واحة (( الحمد لله )) هو إنسان يعيش في نار السخط، لا يرضى عن الأقدار ولا مقدّر الأقدار، ولا يرضى عن أحواله فيجلد ذاته ليل نهار، والمؤمن على غير ذلك، فكانت من شعب الإيمان قول (( الحمد لله )) وكانت تملأ الميزان، قال سيدي عبد السلام بن مشيش قدّس الله سرّه: (( سيئتان قلما تنفع معهما كثرة الحسنات؛ السخط لقضاء الله والظلم لعباد الله، وحسنتان قلما يضر معهما كثرة السيئات: الرضا بقضاء الله والصفح عن عباد الله ))، وهو تبيان لقوله تعالى: (( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ )) فإن السخط لقضاء الله من محبطات الأعمال، وضدّه الرضا لقضاء الله، ووسيلته الإكثار من حمده سبحانه وتعالى أن تقول: (( الحمد لله )) حتى تكون سجيّة تسري فيك سريان الماء في الورد، وفي الحديث مرفوعًا عن عمران بن حُصين رضي الله عنه: (( خير عباد الله الحمّادون )) أخرجه الطبراني، فالحمد لله رب العالمين.

 ومن الباقيات الصالحات؛ (( سبحان الله )) وهي تملأ ما بين السماء والأرض كما مرّ في الحديث السابق، والتسبيح من معانيه التنزيه والتبرئة، قال بعضهم: سبحان الله يعني أنزه الله وأبرئه عن السوء، وهي للتعجب، فهي كلمة شعور المخلوق بعجزه وتعجبه من قدرة الخالق جل في عُلاه وتنزهه عن خلقه، والتسبيح أمرنا الله به في القرآن ودلّنا أنّه ديدن الملائكة الكرام وجميع المخلوقات، قال تعالى: (( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى الْأَرْضِۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) [الحشر:1]، وقال: ((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَـٰوَٰتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمۗ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )) [الإسراء:44]، وقال: (( تَكَادُ السَّمَـٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الْأَرْضِ أَلَآ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) [الشورى:5]، فكل شيء يسبح بحمده فادخل أيّها الإنسان في زمرة المسبحين واستجب لأمره تعالى فيحل عليك رضاه، فإنّه يحب المسبحين وينجّيهم ببركة تسبيحهم إيّاه من كرب عظيم، فكان التسبيح ديدن سيدنا يونس عليه السلام فنجّاه الله من بطن الحوت، قال تعالى: ((فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ‎*‏ فَلَوْلَآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ *‏ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِۦٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) [الصافات:142-144]، وكان عليه وعلى نبينا الصلاة وأتم السلام يقول في بطن الحوت (( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ))، قال تعالى: (( وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ * فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ )) [الأنبياء:87-88]، فهل تحب أن تنجو من الهم والغم؟ سبِّح، وادخل في زُمرة المسبّحين … يتبع.