السنة الخامسة رمضان 1446 هـ - مارس 2025 م


عبد الله أبوذكري
شعب الإيمان (6)
عبد الله أبوذكري

تكلمنا في المقالات السابقة عن الشعبة الأولى والأعلى في الإيمان وهي قول لا إله إلا الله، ومنها تكلمنا على الأذكار واليوم نستكمل الحديثَ عن الشعبة الأدنى؛ إذ يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء من الإيمان"، وهو صلى الله عليه وآله وسلَّم يحدد لنا معالم الإيمان وتشعّبه، فالإيمان يبدأ بذكر الله سبحانه وتعالى وهو أعلاه وذروة سنامه وعموده الذي لا يقوم إلا به، ثم يبيّن لنا محدداته فينبهنا أنّ أدناها إماطة الأذى عن الطريق، ولا يعني الدنوُّ هنا الاستحقارَ أو القلّةَ في ذاتها قطعًا؛ إذ ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ إماطة الأذى عن الطريق من موجبات الجنَّة في قوله: ((مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحّين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم ، فأدخل الجنة))، إذن ما معنى الدنو هنا؟ في الدنو هنا معنيان؛ الأوّل أنّها أقل في الجهد والبذل من شدة ما هي عليه من البساطة واليُسر، والآخر أنّها الأدنى في التحديد وكأن الإيمان وعاء في أعلاه يبدأ بالذكر وفي عمقه يتم بالخدمة، فهو تحديد لشكل الوعاء ومعالمه. فهذه الخدمة لخلق الله هي أمر عظيم من أمور الإيمان على بساطتها وسهولتها بل وقد يحتقرها بعضهم، إلا أنّه صلى الله عليه وآله وسلم نبهنا ألا نحقر المعروف فقال: ((لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق))، إذن خدمة الخلق وإزالة الأذى عنهم من الإيمان، ويكون إلحاق الأذيّة بهم من شعب الكفر، وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توسعة المعاني فقال: ((المهاجر مَن هجر ما نهى الله عنه))، كذلك فإماطة الأذى عن الطريق تصح في كل طريق، حسيّ ومعنوي، وأي أذى مهما كانت بساطته، وكان من موجبات الجنّة في إماطة الأذى المعنوي عن الناس ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن إيناس الوحشان من موجبات الجنّة، فهذا من التسلية وإماطة الأذى المعنوي عن الخلق، فهو معنى واسع من جوامع كلمه صلى الله عليه وآله وسلم يتسع لكل خدمة تقدمها للخلق، فهي من الإيمان ومن موجبات الجنّة، ويقول أيضًا صلى الله عليه وآله وسلم: ((أحب الناسِ إلى الله تعالى أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخِله إلى مسلمٍ، أو تكشِف عنه كربةً، أو تقضِي عنه دينًا، أو تطرُد عنه جوعًا، ولأن أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ أحب إلي مِن أن أعتكِفَ في هذا المسجد شهرًا)). فها هو صلى الله عليه وآله وسلم يحدد لنا معالم الإيمان بين الذكر والخدمة … يتبع