
شَهرُ رمضان والنَّعت الإلهي
الشيخ. عبد العزيز معروفبسم الله الرحمن الرحيم
فرض الله الصوم على عباده، وهو صفة صَمدانية يتنزه فيها الإنسان عن الطعام والشراب والغيبة، وهذا كله كما يقول الشيخ الأكبر قدس سره: نعوت إلهية يتصف بها العبد حال صومه، فإذا أتى وقت الإفطار تيقن العبد أنه عبد فقير متغذ، ليس له ذلك التنزه حقيقة، وأن ما حدث ما هو إلا أمر عرض له ينبهه على التخلق بأوصاف من له التنزيه، ولذا قال سبحانه في الحديث القدسي: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به.
والاعتبار هنا من جهة المقابلة؛ لكي تتربى النفس وتتهذب، وترث صالح الأخلاق التي تقوم على معرفة حقيقة النفس، فالخطاب هنا خطاب عملي يحدث النفس ويعرفها حقيقتها، فأنت أيها العبد تتجبر في الأرض وتظن أن لك شأناً، والخطاب يزيد عليه قائلاً: الله هو القائم بنفسه، لا يحتاج في وجوده إلى حافظ يحفظه، وأنت يا مسكين تفتقر في وجودك إلى حافظ يحفظك، وهو الله فجعل لك الغذاء وأفقرك إليه، ومع هذا الافتقار تجبرت وطغيت، وهنا يأتي الخطاب الإلهي، فيقرع نفس العبد: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [الذاريات:21]، فيعلم حقيقة نفسه، ومن عرف نفسه عرف ربه.
ولذا جعل سادتنا الصوم حقيقة في الانتساب، فهو مطهرة من الشوائب النفسانية والشيطانية، وطالما الصوم فيه الصمدانية وهي نعت إلهي ، فلكي ندرك المعنى الحقيقي للصوم، نقول إن للصائم مع الاسم الصمد : تخلق، ثم تعلق، ثم تحقق.
أما عن التخلق، فهو كما يقول السراج الطوسي متحدثا عن الصوم أنه تخلق بالصمدية، وقد أشرنا إليه في أول المقال، وإذا سعى العبد جاهدا في هذا الأمر ، أورثه ذلك الدرجة الثانية وهي التعلق، وهو تعلق به تعالى، فيكون العبد في افتقار دائم إلى الله؛ لأن العبد هنا يعلم عجزه وضعفه، وهنا يكون العبد على استعداد لتلقي الوارد من الحق إليه، ولذا كان شهر رمضان شهر القرآن، فلا يزال لسان العبد رطبًا من ذكر الله وأفضل ما ذكر به الله هو القرآن الكريم.
والتحقق أن تتحقق بوصفك، فهنا إعادة تركيب، فقط خرجت عن الدنيا وما فيها، ورجعت إلى أصلك الطاهر، فعرفت حقيقة نفسك، وأنك به لا بك فتغيب عن رؤية الخلق برؤية الحق، وتصون جوارحك وقلبك عن كل مناف للحق، وهنا لا بد من المناجاة والإكثار من التضرع والطلب، فهو معط على الدوام وأنت فقير على الدوام، ويكون لسان حالك، ومقالك:
"إلهي قد اشتدَّ حَبل الاضطرار، وتعذَّرَ إلا إليك الفرارُ، وانقطع من سواك رَجائي، وضَاع إلى غيرك التجائي، وحُرِمتُ في غير بابك فلا تحرمني، وآيستُ مِن سواك فلا تُؤيسني، وغرقت نفسي في جنايتي وعجز التدبير، وأنت غني عن مؤاخذتي، وأنا إلى عفوك فقيرٌ، فبغناك عني إلا رحمت فقري، وبتمكنك مني إلا قبلت عذري، وبعظيم عفوك إلا نسخت هجري، وبضياء وجهك إلا أطلعت فَجْري".