السنة الثالثة جمادى الآخرة 1445 هـ - يناير 2024 م


عبد الله أبوذكري
شُعَبُ الإيمَان (1)
عبد الله أبوذكري

أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شُعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شُعبةٌ من الإيمان ))، والشُّعبة في اللغة هي الفِرقَة أو الفرع من الشيء، والمقصود خصال الإيمان، التي متى كانت منهن خصلة في إنسان كان على جانب من الإيمان، فإذا اجتمعت فيه كان مكتمل الإيمان، والبضع في اللغة من ثلاثة إلى عشرة، فالإيمان بضع وسبعون يعني 73 أو 74… إلى 80، أو بضع وستون 63 أو 64 … إلى 70 خصلة، كل خصلة هي مكوّن من مكوّنات الإيمان، ودلّنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث الشريف على تفرّع الإيمان وتنوّع خصاله تحت خصال كثيرة، ولم يذكرها لنا حصرًا، وذكر ثلاث خصال على سبيل المثال، نستطيع أن نعتبرها أبوابًا للخصال كلها: باب الأقوال ومثاله: (( قول لا إله إلا الله ))، وباب الأفعال بالجوارح ومثاله: (( إماطة الأذى عن الطريق ))، وباب أفعال القلوب ومثاله: (( الحياء )).

والحقيقة أن هذه الخصال يمكن أن تتقسم إلى بضع وستين أو بضع وسبعين خصلة كما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم، فقد تجتمع خصلتان في خصلة أو ثلاث في واحدة أو يفترقون فيزيد العدد، أو يقلّ وهو ما يدل على تداخل هذه الخصال وارتباط بعضها ببعض، ولفتنا في جوامع كلمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى من لفظ (( شُعبَة )) وهو من التشعّب، وهو الانتشار والتداخل في اللغة، فخصال الإيمان تتكاثر وتتداخل، فالإيمان كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تتداخل فروعها الطيبة وتتشابك معًا.

وإذا تأملنا أعلى نقطة في هذه الشجرة المباركة كما بيَّن صلى الله عليه وآله وسلم وجدناه: (( قول لا إله إلا الله )) إذًا المطلوب هنا قول باللسان، وأخرج الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وغيرهم من حديث جابر رضي الله عنه: (( أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله ))، فإذا كان (( قول لا إله إلا الله )) أعلى نقطة في هذه الشجرة، وهي (( أفضل الذكر )) و (( أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي ))، وقوله: (( قول لا إله إلا الله )) فهي إشارة إلى الذكر بها فلم يقل (( الإيقان بالقلب أنّه لا إله إلا الله ))، بل دلنا على السهولة واليُسر بأنّ أوّل الإيمان القول والذِّكر باللسان ثم يتبع ذلك القلب، وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة أيضًا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( جَدِّدُوا إِيْمَانَكُمْ، قيل: يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لا إله إلا الله )) فدلَّنا على الإكثار من هذا الذكر الشريف، فهذه هي الشُّعبة الأولى والتّحلي بها يبدأ بأن تجعل هذا الذكر الشريف وِردًا لك، في كل يوم، والإكثار في لغة العرب بداية من السبعين مرَّة، وقيل المائة، وهو إكثار المبتدئ في الذكر، وقيل ثلاثمائة وقيل ألفًا، فاختر أيسرهما عليك وابدأ بالتحلّي بهذه الخصلة الشريفة بأن تقول كل يوم: (( لا إله إلا الله )) مائة أو ثلاثمائة أو ألفًا فيتجدد إيمانك وتكون من أهل هذه الشُّعبة الأعلى … (يتبع)