
شيخ القاسمية "محمد كشك" بين القاهرة إلى مراكش
د. عمر محمد شريفالمربي المؤدب الأمي المتقشف الشيخ محمد بن علي بن الدراز الشاذلي بن الأحمدي، القاهري بلداً، المالكي مذهباً، الشاذلي القاسمي طريقة، الشهير بكوجك "كشك"، (ت سنة 1170هـ). من مشايخ التصوف في القرن الثاني عشر الهجري، يقع مسجده بشارع البقلي بحي الخليفة. عاش حياته بجوار مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها، خادماً لها، وصف بأنه ذو سيرة حسنة، وطريقة مستحسنة، وأدب وتواضع وأخلاق حسان وزهد وتقشف وسخاء، وإحسان، مع التخلي عن الدعوى، والتحلي بحلى التقوى.
كان شيخاً للطريقة القاسمية الشاذلية بمصر، والطائفة القاسمية هم أصحاب الشيخ أبي عبد الله، أبي القاسم بن أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن للوشة السفياني، الشهير بأبي عسرية. من مشاهير الصلحاء وأحد كبار مرابطي الغرب، المتوفى سنة 1077 هـ.
أخذ الشيخ كشك الطريقة القاسمية عن الشيخ العارف أبي العباس أحمد بن علي السوسي نزيل مراكش ودفينها (ت١١٣٠هـ) حين كان حاجًّا الحجة الأخيرة. ولما رجع السوسي للمغرب، لم يتمالك كشك عقله من محبته فيه فرحل من مصر لاحقاً به إلى مراكش، ولا غرابة في انتقال الشيخ كشك من المشرق للمغرب بحثاً عن شيخه السوسي، قاصداً ملازمته، فيبدو أنه وجد ضالته فيه، وأراد أن يستزيد وينهل من معارفه وأسراره. إلا أنه لما وصل إلى مراكش وجد الشيخ السوسي قد توفي، فأقام عند ضريحه سنة كاملة، ثم عاد إلى القاهرة، وأدخل الطريقة القاسمية الشاذلية لمصر.
لم يكن الشيخ السوسي هو المغربي الوحيد الذي تأثر به الشيخ كشك بل أخد عن آخرين من المغاربة منهم: الشيخ السالك الولي علي بن عزوز المغربي، الكائن ضريحه وزاويته ببلد زغوان بتونس، وهو من مشاهير الأولياء، وأصله من فاس.
السوسي وابن عزوز كلاهما أخذا عن الشيخ قاسم بوعسرية، عن الشيخ محمد الشرقي، عن والده الشيخ عبد السلام بن الزعري، عن الشيخ عبد الله بن ساسي، عن الشيخ سيدي عبد الله الغزواني نزيل مراكش ودفينها، توفي سنة ٩٣٥هـ.
وأخذ أيضاً الشيخ محمد الشرقي عن الشيخ رضوان بن عبد الله الجنوي الفاسي دفين فاس سنة ٩٩١هـ، عن الشيخ عبد الله الغزواني عن الشيخ عبد العزيز الحرار الشهير بالتباع (ت٩١٤هـ) عن الشيخ محمد الصغير السهلي عن الشيخ محمد بن سليمان الجزولي.
وممن لقيه من المغاربة العلامة عبد المجيد بن علي المنالي الزبادي الحسني (1163هـ)، الذي سافر للحج عام ١١٥٨هـ، فحج وزار، ولقي العلماء والأخيار، وأخذ عنهم وألف في ذلك رحلته "بلوغ المرام بالرحلة إلى بيت الله الحرام"، وأخذ الزبادي عن الشيخ كشك، وذكر أن كشكًا كان يخرج للحج كل سنة غالبًا. وقد حج معه، واجمتع به في الحجاز، ولما أقام عبد المجيد الزبادي بمصر كان يتردد إليه وينزل في منزله بجوار مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها، وذهب معه يوماً إلى روضة النيل فشاهد مقياس النيل الذي يعد من أقدم الآثار المعمارية الإسلامية الباقية بمصر، وزار معه جامع عمرو بن العاص أول جامع أنشئ بمصر، وحضر عنده مولد السيدة نفيسة. وعمل له ضيافة في زاوية السادات الوفائية بالقرافة فأقام الزبادي ومن معه من المشايخ المغاربة بالزاوية ثلاث ليال بأيامها. وذكر أن للشيخ كشك كلامًا نفيسًا في طريق القوم، وقد طلب منه أصحابه أن يجمع لهم ذلك في ديوان فأسعفهم، ورأى الزبادي ما دونه الشيخ كشك، وقرأه عليه، ونقل منه في كتابه "بلوغ المرام". وذكر أن للشيخ كرامات وخوارق عادات لم يذكرها في كتابه وأغنى عنها الحكم التي نقلها عنه والتي تبرز أن له قدمًا راسخةً في الخصوصية مع كونه من عامة الناس بحسب وصف عبد المجيد الزبادي.
من كلام الشيخ كشك:
-اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم تشعشع نور المعرفة.
-من علامات محبة الله: الإقبال على الله، والإعراض عما سواه، والاشتغال بالطاعة وهجران المعصية.
-من علامة الخذلان: ترك الطاعة، واتباع العصيان، وتعلق القلب بما غاب في الأكوان، وبطر الخير والإحسان فذلك هو الخسران.
-الصالح: من واظب على الطاعات والذكر والتلاوات، وقدم الباقية على الفانية.
-ليس كل من ادعى شيئًا ملكه، ولا من ترك شيئًا فاته.
-من عرف ذلته، وخرج عن قدرته، واستصغر نفسه، وفوض أمره لربه، كان علامة نصره.
-طاعة الشيخ عز الدارين.
-الصبر رداء أهل المحبة، والحلم ثوب الخلة، والعفو بساط لا يجلس عليه إلا من سلم قلبه من الأغيار.
-إن صفا المريد وصل.
-السعيد محفوظ قبل وجوده والشقي مطرود.
-علمك الأشياء على حقيقتها عز دائم.
-من دام نوره خمدت أعداؤه.
-النجاة جسر من وراء بحرين لا يبلغه إلا من قطعها.
-تشوفك لمن هو مثلك يمنعك من قربك.
-ما عرف حال الرجال إلا من دخل الميدان.
-ميدان الفكر لا يدركه إلا عاقل وبحر المحبة لا يخوضه إلا عاشق.
-السائر إذا جد في سيره وصل، قطع الطريق سهل على من قربه.
-التوبة سراج يضيء في البيت المظلم، والإخلاص زيته، والندم يزيد في أنواره.
-موت الرجال حياتهم، وموت غيرهم هلاكهم.
-الرجال تصل بقدر الهمم.
-ارفع همتك عن الخلق تكن من أهل الحق.
-رفع الهمم وكثرة الندم تخرج من العدم.
-ما توجه عبد لسيده إلا قبله، ولا هرب عنه إلا وطلبه.
-إذا قربك أشهدك طلبه إياك، وإن أبعدك أشهدك طلبك إياه.
-أين غاب حتى تطلبه؟ ولا شيء إلا هو موجده، أوجد الأشياء من العدم، وقسم الكائنات في القدم.
-الأنوار هدية من الله لمن أراد قربه. انتهى.
كان الشيخ كشك مضيافاً كريماً سخياً، يجتمع بمنزله المشايخ، وكانت له روابط قوية بعلماء المغرب، يلتقي بهم خلال رحلاتهم أداء مناسك الحج، حيث كانت مصر محطة حتمية فى طريق قوافل الحج المغربية ذهاباً وإياباً يستريحون فيها، فيذكر الشيخ عبد المجيد الزبادي أنه ورفيقه الشيخ الهادي بن محمد العراقي الحسيني اجتمعا بالشيخ أحمد بن عبد الفتاح الملوي الشافعي (ت١١٨١هـ)، والشيخ أحمد بن حسن الجوهري الخالدي (ت١١٨٢هـ) بمنزل الشيخ كشك، كما اجتمع الزبادي أيضًا بالشيخ عبد الكريم المغربي المكناسي الشريف الحسني بمنزل الشخ كشك.
ويذكر محمد التاودي بن سودة (ت١٢٠٩هـ) أن قدم صاحبه الحاج قاسم الرجراجي من الحج سنة نيف وخمسين، وجاءه بكتاب من عند الشيخ محمد كشك، وقال له: يسلم عليك، ويقول لك : تطلع تحج.
ومن الآخذين عنه من المغاربة:
-الشيخ محمد بن علي المنالي الزبادي الحسني(ت 1209هـ) ، أخو عبد المجيد السابق ذكره، اجتمع به في حومة الرميلة بمراكش، كما لقيه بمصر خلال رحلته للحج سنة ١١٦٦هـ، وحضر عنده بمصر في مولد السيدة نفيسة رضي الله عنها، وتبرك بمن حضره من أهل الخير من العلماء والصالحين السالكين، ووصف كشك بأنه تعتريه أشواق كثيرة عظيمة ليلاً ونهاراً شيئًا لا يكيف. ولمحمد المنالي مؤلفات منها: تنبيه الفقير من الغفلة والتقصير إلى الخدمة والتيسير، ودوحة البستان ونزهة الإخوان في مناقب الشيخ علي بن عبد الرحمن الدرعي، وسلوك الطريق الوارية في الشيخ والمريد والزاوية.
-الشيخ محمد غازي المدعو: عزيزي القنيت، الدباغ حرفة. خرج من بلده للحج، وفي مصر التقى بالشيخ كشك، وكان الشيخ أحمد بن أحمد السوسي والشيخ عبد المجيد الزبادي كتبوا كتاباً دفعه له، فقرأه الشيخ، وأنزل القنيت عنده، وانتفع منه القنيت، وأخذ عنه، وكلاهما أمي. وشرط الشيخ كشك على القنيت شروطاً وقبلها، ومنها: ملازمة الزاوية، وخدمة الفقراء وجمعهم، وعلى أن لا يجلس إلا في الموضع الذي يفضل عنهم، وإلا فليبق واقفًا، ولا يأكل حتى يستكفوا، ولا يشرب حتى يرووا، وليعد مريضهم، ويحضر جنازة ميتهم، ويشيع مسافرهم، ويقف معهم في فرحهم وحزنهم، ويوقر كبيرهم، ويرحم صغيرهم، ويقبض من الغني، ويعين الفقير، ويصالح بينهم، ويصفح عن المسيء، ويؤلف بينهم، ويحن ويحنن عليهم، ويشفق منهم، ويرودهم للحنانة والشفقة، ويؤلفهم لذالك وللتودد بينهم، وينهاهم عن المكاففة بينهم. ثم قال له أو تقدر على هذا. قال: نعم، قبلت رضي ورضيت، فتعاهد معه على ذلك.
والعارف المربي الشيخ عبد الوهاب التازي (ت1206هـ)، لقيه بمصر وأخذ عنه، ولقي العلامة محمد بن سالم الحفناوي، وأخذ عنه الطريق الخلوتية، والشيخ محمود الكردي والشيخ عيسى البرناوي والشيخ السمان، وغيرهم من مشايخ مصر. وكان من جملة من لقي في أول أمره القطب الأشهر الشيخ عبد العزيز الدباغ، اجتمع به مراراً، وأخذ عنه.
أما تلاميذه المصريين، فمنهم:
-الحافظ السيد محمد مرتضى الزبيدي (ت١٢٠٥هـ) الذي نعته في "المعجم المختص" بقوله "شيخنا سيدي محمد كشك".
-الشيخ علي بن محمد الحباك الشافعي الشاذلي، خليفته الأول، خلفه في الطريقة والزاوية، تفقه على الشيخ عيسى البراوي (ت١١٨٢هـ) وبه تخرج، وأخذ الطريقة القاسمية الشاذلية عن الشيخ كشك وإليه انتسب، ولما توفي كشك، جعل شيخاً على المريدين، وسار فيهم سيراً مليحاً. نعته الزبيدي بـ"صاحبنا الشيخ الفاضل، الصالح". وقال :"اجتمعت به كثيراً في قلعة الجبل إذ كان إماماً هناك في زاوية، فأحببته في الله ورسوله وأحبني وكان شيخاً حسن العشرة، لطيف المحاورة، طارحاً للتكلُّف، متواضعاً، وقد صارت له مريدون وأتباع خاصة غير أتباع شيخه. توفي في يوم الاثنين ٢٣ شعبان سنة ١١٩٥هـ".
دفن في القبر الذي دفن فيه شيخه بالمسجد، وخلفه ابنه الشيخ محمد مصطفى البرموني إلى وفاته سنة 1298هـ ودفن بحوطة أسلافه في المسجد. وخلفه عبدالمجيد بن محمد البرموني مات في شوال سنة 1331هـ، فولده الشيخ صالح البرموني المتوفى سنة 1354هـ.
وقد ذكر علي باشا مبارك في "الخطط التوفيقية" زاوية الشيخ كشك فقال: جامع الشيخ كشك، هذا المسجد بجوار مسجد القبر الطويل خارج بوابة السيدة سكينة رضى الله عنها بينها وبين السيدة - نفيسة، عن شمال الذاهب إليها، وهو مقام الشعائر، وبه ضريح الشيخ محمد كشك، وضريح الشيخ مصطفى الحبال، وضريح الشيخ على الحباك، وضريح الشيخ محمد البرموني، وله ميضأة وشعائره مقامة من إیراد محلات بجواره موقوفة عليه ونظارته تحت يد الشيخ عبد المجيد البرموني.
وينسب للشيخ علي الحباك مخطوط "ذكر ما وقع بين عسكر المحروسة القاهرة (سنة 1123 هـ - 1711 م)، وهو كتاب يتناول فيه أخبار فتنة دموية دارت بين فرق الحامية العثمانية في مصر واستمرت سبعين يوم في عام 1123هـ، وأشار مؤلف الكتاب إلى اسمه في آخر كتابه، إذ قال إنه علي الشاذلي الفرا.
-السيد إبراهيم بن أحمد بن يوسف بن مصطفى بن محمد أمين الدين ابن علي سعد الدين بن محمد أمين الدين الحسني الشافعي المعروف بقلفة الشهر، (ت١٢٠٢هـ). تفقه على شيخ والده السيد عبد الرحمن الشيخوني، وأخذ طريق الشاذلية والأحزاب والأذكار على الشيخ محمد كشك وكان يبره ويلاحظه بمراعاته وانتسب إليه، وحضر الصحيح وغيره على السيد مرتضى الزبيدي وسمع عليه كثيراً من الأجزاء الحديثية في منزله.
وذكر الجبرتي في تاريخه أن كان بين كشك والشيخ عبد الله النكاري مودة ومؤاخاة، حيث قال في ترجمة الكناري: الشيخ الصالح، قطب الوقت، المشهور بالكرامات، معتقد أرباب الولاية، الشيخ عبد الله النكاري الشافعي، الشهير بالشرقاوي، من قرية بالشرقية يقال لها "النكارية"، أخذ من الشيخ عبد القادر المغربي، وممن كان يعتقده: الشيخ الحفني، والشيخ عيسى البراوي، والشيخ علي الصعيدي، توفى سنة 1124هـ.
ذكر حسن قاسم في "المزارات الإسلامية" أن توفي الشيخ كشك رحمه الله سنة 1170هـ، ولم يعقب من زوجته فاطمة مصطفى جماعة إلا بنتاً اسمها مريم.
المصادر والمراجع:
حسن قاسم، المزارات الإسلامية والآثار العربية في مصر والقاهرة المعزية، مكتبة الإسكندرية، 2017م.
عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، مطبعة دار الكتب المصرية، 1997م.
عبد الله العزباوي، الفكر المصري في القرن الثامن عشر بين الجمود والتجديد، دار الشروق، 2006م.
عبد المجيد المنالي الزبادي، بلوغ المرام بالرحلة إلى بيت الله الحرام، مخطوط.
علي مبارك، الخطط التوفيقية، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، 1305هـ.
محمد التاودي بن سودة، الفهرسة الصغرى والكبرى، تحقيق: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية.
محمد المنالي الزبادي الفاسي، سلوك الطريقة الوارية في الشيخ والمريد والزاوية، تحقيق عبدالحي اليملاحي، تطوان، 2012م.
محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني، سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، تحقيق: عبدالله الكامل الكتاني وحمزة بن محمد الطيب الكتاني ومحمد حمزة بن علي الكتاني، دار الثقافة – الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2004م.
محمد مرتضى الزبيدي، المعجم المختص، اعتنى به: نظام محمد صالح يعقوبي ومحمد بن ناصر العجمي، دار البشائر الإسلامية، 2006م.
- صور لمسجد الشيخ كشك، تصوير الباحثة: سارة حسن.