
سلسلة خواطر حول أسماء الله الحسنى (١)
د. مجدي عاشورقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة" (أخرجه الترمذي وغيره)، واختلف العلماء حول معنى أحصاها، ما المراد منها؟ فأقل شيء قيل فيه: حفظها، ومن لم يستطع حفظها يرددها كل يوم سيحفظها لأن ما كان من نور سينطبع في النور، أي الروح؛ لأن الروح نور.
والسؤال الآن: ما فائدة الحفظ والتعلق بأسماء الله الحسنى؟
إن أسماء الله الحسنى جاءت بركة لنا حتى نتعلق بالله عز وجل من خلالها، والعجيب أنها جاءت لكل أحوال الإنسان، فما يمر عليك حال من الأحوال أو موقف من المواقف، سواءً أكان أمر فيه شدة أو لين أو قوة أو ضعف أو عزة أو ذل، أو حال الحياة أو حال الوفاة، إلا ولك نصيب في أسماء الله الحسنى؛ ولا يوفق إليها إلا من يدعو الله عز وجل عندها وبها.
فالصالحون حال الاحتضار كانت عندهم آيات مخصوصة بها التعلق بشيء من أسماء الله الحسنى، يقرؤونها دلالة على حسن الختام، ومما يُحْكَى عن سيدنا الشيخ صالح الجعفري – رضي الله عنه – أنه عند الانتقال تلا قول الله تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف: ١٩٦]؛ وقيل هذا أيضًا عن سيدنا الشيخ عبد الحليم محمود – شيخ الإسلام رضي الله عنه -.
وقد حدث هذا مع مؤمن آل ياسين الذي جاء على لسانه في القرآن الكريم قول الله تعالى: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [يس: ٢٦ – ٢٧]
لذا تصور أن حال رَجُلٍ ينتقل ولا يحفظ القرآن، فيقرأ الفاتحة بما فيها من أسماء لله تعالى – وهذا لأنه موفق من الله- وكأنه في صلاة، ومتعلق بذلك، حكى أحد الأطباء:
أن أحدهم دخل المستشفى مصابًا بالزهايمر – نسأل الله العفو والعافية – وكان ممن يحفظ أسماء الله الحسنى ولا يعرف أي شيء غيرها، فلا يعرف اسمه ولا ولده ولا أين يسكن ولا أي شيء مَرَّ به، ومع ذلك كان يردد أسماء الله الحسنى دون سواها.
فأسماء الله تعالى شأنها شأن القرآن الكريم؛ إذ هي منه، فكانت طبعة لا تمسح؛ لأن القرآن نور، والروح نور لأنها نفخة من الله فلا تموت، فيلصق القرآن في الروح لتناسقهما فكلاهما نور، فالروح تظل إلى أبد الآباد مهما حدث؛ لأنه لصق بما له ابتداء وليس له انتهاء – أي الروح – كذلك المتعلق بأسماء الله الحسنى أو أسماء سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تجده كذلك عند احتضاره يذكرها كلها؛ (فمن عاش على شيء مات عليه . ومن مات على شيء بُعِث عليه)، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:٤٩].
أي فمن فرغ نفسه لهذا الشيء واستمر عليه يموت عليه، وآية ذلك الحاج الذي مات مثلًا لا يغَطَّى رأسُه؛ لأنه سيأتي يوم القيامة مُلَبِّيًا، فكان في حالة واستمر عليها إلى قبض الروح.
سيدنا ثابت البُناني كان يقرأ القرآن وهو في قبره، وهذه كانت دعوته أن يوفقه الله لأن يقرأ القرآن وهو في قبره، والذي أوصله لذلك أنه أحب القرآن لله ولرسوله، فلما وصل لدرجة الحب أعطاه الله ما أراد، فمن وصل لهذا سيوفقه الله ليصنع ما كان يحب في قبره وأعلى منه في الجنة، فلما انتقل قال بعض الصحابة وكثير من التابعين: لقد دفناه وآخر صاحب قرع نعل سمع صوت ثابت يقرأ القرآن في قبره. فمن أحب القرآن وأخذه منهجًا رأى النور الذي فيه وليس بعين البصيرة فقط بل بعين البصيرة والبصر، فالذي يقرأ القرآن في القبر هو الروح المنيرة التي لصق فيها نور القرآن.
كذلك الذاكرون المتعلقون الذين في وجوههم نور حتى ولو كانت بشرتهم سوداء، وتعرفهم من تحت أعينهم - كما علمنا أهل الله- تجد نورًا تحتها، من كثرة ذكره لله وصلاته وسلامه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لذا نحفظ أسماء الله الحسنى لنتعلق بها؛ حتى وإن كنت من حفظة كتاب الله تعالى؛ لأن ترجمة القرآن في أسماء الله الحسنى، وبها التعلق والتخلق والتحقق، ولذلك جاء النص القرآني القاطع آمرًا بأن ندعو الله تعالى بأسمائه، فهذا أرجى لقَبول الدعاء، قال سبحانه : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف:١٨٠].
فأنوار القرآن في أسماء الله الحسنى فادعُ بما شئت منها أو بها ستجد حالك موجودًا في أحد هذه الأسماء، فسَكِّن نفسَك به، وتَعلَّق وتخلق وتحقق بآثاره.
وزُبدة القول: إنك إذا تعلقت بأسماء الله الحسنى وذكرتها وعددتها كل يوم جل ربنا أن يحجبها عنك حال احتضارك بل ستلقاه بها – أي بأسمائه وصفاته- وإن لقيتَهُ بها فأنت من السعداء بهذا الشيء الذي أوله الله وآخره الله وأنت في وسطه.
وهنا لا تخف من القبر لأنك ستنوِّر قبرك، فكم من قومٍ استناروا بآثار صفات الله ذات الجمال، فدخلوا قبورهم فتنورت بهم وكانوا سعداء بهذا النور؛ بل ويُسْعِدون مَن يَنْزلون عليهم من أهل المقابر، وكم قد حَكَى ذلك أهل الله من أهل الكشف والولاية.