السنة الثالثة رمضان 1444 هـ - إبريل 2023 م


د. مجدي عاشور
سلسلة خواطر حول أسماء الله الحسنى (2)
د. مجدي عاشور

 تنقسم أسماء الله الحسنى إلى أسماء جلالٍ وجمالٍ وكمالٍ، …

والمقصود بالجمال: أي الشيء الذي فيه هدوء وسكينة ورحمة ومغفرة وكرم وعطاء.

والمقصود بالجلال: أي الشيء الذي فيه انتقام وشدة.

والمقصود بالكمال: ما يكون في أشياء متقابلة، مثل: الأول الآخر، والظاهر الباطن، والمعز المذل وهكذا...، وقيل: بأن الكمال هو الذي يجمع بين الجمال والجلال، فمن الممكن أن نقسِّمَ الثمانية والتسعين اسمًا ونصنفها هذا التصنيف، ولكن إذا أردنا أن نصنف اسم الجلالة (الله)؛ فهل يندرج تحت أسماء الجمال أو الجلال أو الكمال؟

 في الحقيقة نجده يجمع بين كل هذه الأشياء بين الجمال والجلال والكمال، ولكن كيف عرفنا ذلك، وما الدليل عليه؟

أولًا: لفظ الجلالة لفظٌ جامع؛ أي: اسم جامع كبير يجمع  بين الثلاثة أشياء بحيث إننا إذا أردنا أن نستثني شيئًا ما فمم نستثنيه؟

نستثنى من الجامع أي من الكل؛ إذ لا يستثنى من الشيء الواحد شيئًا؛ فلفظ الجلالة جامع كامل شامل يجمع بين الجمال والجلال والكمال وإذا أردت أن تخص شيئًا من هذه الثلاثة استطعت ذلك؛ لأن الثمانية والتسعين اسمًا الباقية مجموعون في لفظ الجلالة هذا.

وإذا أردنا أن ندلل على ذلك بشيء من كتاب الله عز وجل فتأمل معي في سورة تبارك:

في آخرها يقول تعالى: (( قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللَّهُ وَمَن مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَـٰفِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )) [الملك: ٢٨]، فلما ذكر الله تعالى صفة الإهلاك وهي صفة شدة وجلال ذكر معها لفظ الجلالة (الله)، و(الله) هنا تدل عليه بصفات الجلال؛ لأن الهلاك يعني الشدة فهذا موقف جلال.

ثم قال ربنا بعد ذلك :(أو رحمنا) من هو؟ (الله) أيضًا، ولكن هنا دلالة جمال لا جلال، وهذا يعني أن لفظ الجلالة (الله) للجلال – أهلكني- ، والجمال – رحمنا- ، ثم ذيَّل بسؤال: (فمن يجير الكافرين من عذاب أليم)؟

فقال بعدها سبحانه وتعالى: (( قُلْ هُوَ الرَّحْمَـٰنُ ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ )) [الملك: ٢٩]

فلما أُرِيد تخصيص الجمال فقط جاءت الآية الثانية مصدرة بقوله: (قل هو الرحمن)؛ فعبر بلفظ (الرحمن) وهذا جمال.

ثانيًا: حينما يريد غير المسلم أن يدخل في الإسلام، ماذا تطلب منه أن يقول؟

لا إله إلا الله؛ إذن فلن يقبل منه إسلامه لو قال: لا إله إلا الرحمن مثلا، بل لا بد من لفظ الجلالة (الله)، لماذا؟

لأنه اللفظ الجامع لجميع الأسماء الدّال على الذات.

ثالثا: المتعارف عليه عند العلماء أن الإنسان حينما يريد أن يطلب الرزق من ربه يناجيه بلفظ الرزّاق، فيقول: (يا رزّاق)، وإذا طلب القوة من الله للصمود في وجه من يفتري عليه مثلًا، يقول: (ياقوي)، ولكن أسماء الله الحسنى ليست للعلماء فحسب بل لكافة الخلق أجمعين، فهَب أن إنسانًا لا يعرف ما يعرفه العلماء من أننا نناجي ربنا بالرزاق لطلب الرزق أو بالصبور لطلب الصبر وهكذا، أو لا يحفظ أسماء الله الحسنى كلها، فبم يناجيه؟

يناجيه بلفظ يشمل الجلال والجمال والكمال، فيقول: (يا الله)؛ فإن كان يقصد من وراء لفظ الجلالة الجمال لبّى الله له ندائه بذلك، ولو قلت (يا الله) في موقف شدة، فكأنك قلت: (يا منتقم) فيأتي لك من لفظ الجلالة ما يفيد الانتقام أو متعلق الانتقام، ولو أردت أمرًا تجمع أوله وآخره؛ أي ما يُعبَّر عنه بـ(الأول والآخر)، أو يحسن ظاهرك وباطنك فيما يعبر عنه بقولك: (يا ظاهر يا باطن)، فتقول: (يا الله) مستحضرا ما تريد من معنى مما ذكر أعطاك الله مرادك حسب ما تستحضر، إذن الاسم (الله) تناجيه به سبحانه في الجلال والجمال والكمال.

وجمال الشريعة هذه في التيسير على الناس، فليس كل شيء للمتخصصين فحسب، بل يجد كلُّ طالبِ رغبةٍ رغبتَه فمثلا الذي لا يحفظ القرآن وهو من العوام فيشكو بأن الشيخ فلان يحفظ سورة البقرة وأنا لا أحفظها وأريد أن أنال مثلما نال الشيخ، فيقال له: لا تحزن عندنا سورة الإخلاص من أقصر سور القرآن ويحفظها كل أحد، ليس هذا فحسب بل وتعدل سورة الإخلاص ثلث القرآن؛ كما روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا [أي يراها قليلة] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)، فتُقرأ ثلاث مرات وكأنه ختم القرآن كله – وهذا جبر عظيم للخواطر -، ولم تهضم الشريعة حق من ختم القرآن كاملا أيضا، بل لو أجر القراءة، وأجر التعب والمجهود الذي بذله، وأجر النظر في المصحف وأمور كثيرة، ولكن أردنا أن ندلل على أنه ليس في الشريعة حرمان لأحد من شيء بل قد يسبق بعضُ العوام بعضَ الخواصّ إذ قد وفقه الله للأشياء التي فيها أجور عظيمة مثل: (قل هو الله أحد)، أو (قل يا أيها الكافرون)، أو (إنا اعطيناك الكوثر)، والسور التي فيها سيدنا النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- كـ (ألم نشرح لك صدرك) أو (والضحى)، وهكذا حتى إنك تجد الإ مام يكرر آيات معينة كأواخر سورة البقرة مثلا لدرجة أننا وجدنا بعض العوام يحفظونها بل ويصححون للشيخ إذا أخطأ في بعض هذه الآيات أحيانا.

إذن فلفظ الجلالة (الله) يشمل الجمال والجلال والكمال، فما الحكم لو جاء بعض أهل التخصص وأراد أن يصنع ما يصنع العوام بأن يستخدم لفظ الجلالة (الله) لكل شيء للرحمة أوالرزق أو غير ذلك، فانظر للجمال:

فنقول له أنت تريد من ربنا أن يرحمك أو يرزقك فماذا تقول؟

(يا رحمن ارحمني)، أو (يا رزاق ارزقني)، وهذا حسن، ولكن قد يرزقك الله إجابة لدعوتك وهناك من ينظر لك في رزقك هذا فيحسدك أو يحقد عليك، فأنت تحتاج صفة جلال لتمنع عيون الأشرار عن مالك وعن رزقك؛ لذا تقول: (يالله) أو (اللهم)؛ لأنها جامعة بين الجمال الذي طلبته وبين الجلال الذي سيذهب الأذى والسوء عنك.