
سلسلة خواطر حول أسماء الله الحسنى لفظ الجلالة الله (7)
د. مجدي عاشورالحديثُ عن لفظِ الجلالة (الله) لا ينتهي، ولو فنِيَت الأعمارُ ما انتهى الكلامُ عما في لفظِ الجلالةِ من أنوار، وتحدثنا في المقالِ السابق عن الأنوارِ الشديدة في ذلكم اللفظ العجيب، وقلنا إن من وظيفة الشيخ حمايتُك من نفسك، وأن يُسيِّرَك ويصنعَ لك مجرًى من الأنوار على قدر طاقتك وجهدك، ولما كان لفظ الجلالة كله أنوار، وكان الشيخُ المربي وارثًا محمديًّا قد أخذ من ميراث مولانا رسول الله ﷺ الذي كان يعطي الصحابة كلًّا على قدره؛ فيُرَخِّصُ لهذا ويأمرُ بالعزيمة لذاك، فكذلكم الشيخ المربي يأذن لمريدٍ ما في الذكر بلفظ الجلالة (الله) بعدد كبير، ويأذن لآخر بعدد أكبر، ولثالثٍ بعددٍ أقل، على حسب طاقة كل مريد، لما في هذا اللفظ من أنوار شديدة؛ فسيدنا النبي ﷺ لما تلقَّى الوحيَ الشديدَ لم يستطع إنسانٌ آخرُ أن يتلقاه سواه، قال تعالى: ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا )؛ أي: وكأنَّ لسانَ حاله ﷺ يقول: (أنا سآخذُ ثِقَلَ الوحي وأهديك ما فيه مخلَّصًا لك في راحة دون مشقة)؛ لأن الله عزوجل قد أعده ﷺ لذلك؛ فيتحمل كل هذه الأنوار، فسيدُنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام حكى الله في كتابه الكريم عن أمر طلبه لرؤيته سبحانه، قال تعالى:(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)
فلم يتحمل سيدُنا موسى عليه السلام؛ لذا قال الله: (فَإِنِ اسْتَقَرَّ)، ولم يقل: (فإذا استقر)؛ لأن (إن) تفيد الشك لا اليقين، وبهذا تعلم أن الجبل لن يستقر وهذا ما حدث، فدُكَّ الجبل وخر موسى، وهذا من شدة الأنوار التي لم يتحملْها الجبلُ، ومن هنا عرفنا أنه: (عندما يُذكَرُ لفظ الجلالة (اللهُ) من غير إذن فلن تتحمل الأنوار؛ فالإذن يحميك)
وفي حديث حنظلة المشهور: عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ -وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ- قَالَ: "لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ:كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" أخرجه مسلم، فالأنوار تتنزل عليهم في وقت دون وقت؛ لأنهم لن يتحملوا ذلك كل وقت، فهذا أمر لا يتحمله إلا صاحبَ المقام المخصوص سيدنا محمدًا ﷺ؛ لذا قال لحنظلة ساعة وساعة، بمعنى ساعة فيها أنوار، وساعة بدون أنوار، حتى في قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ)، وما كان الله ليعذبهم -حتى بشدة الأنوار- وأنت فيهم ﷺ فأنت تتحمل وتتلقى عنهم هذه الأنوار الشديدة فكنتَ لهم رحمةً، فهو الحماية والوقاية ﷺ؛ لذا من رحمة الله بنا أنه لو كشف لنا عن نور الحبيب ﷺ لما استطعنا أن نجالسَ حضرتَه ولكن أعطانا على القدر الذي نتحمله.
وفي ختام حديثنا عن ذلك اللفظ العجيب الذي إن جردته من الألف واللام واللام لبقي (اه)، وكان أهل الله -وذاك بالتلقي وليس في الكتب – يقولون بذكر الصدر (اه)، والتي هي عند بعض الناس (توجع)، وعند من كُشف عنه الحجاب (قُربٌ وتشفع)، حتى إن بعضَهم يقول بأن (اه) هو اسم الله الأعظم، مستدلًا على ذلك بأن الاسم الأعظم لا لقومٍ دون قوم، ولنوضحَ أكثر نقول:
لو حضر أناسٌ بألسنةٍ مختلفة، منهم من يتكلم الإنجليزية، وآخر الفرنسية، وثالث بالإندونيسية وغيرهم، جميع هؤلاء على اختلاف لهجاتهم ولغاتهم حينما يمرض أو يتعب أحدهم تجد ألسنتَهم جميعا قد توحَّدت ولهجت بلفظ واحد وهو (اه)، ومن هنا قال القائلون بأنه هو الاسم الأعظم، الذي إذا سئُل به فى وقت الذكر، أو وقت التوجُّع أجاب، وكأن لسان الحال يقول:
(من لم يذكر الله اختيارا سيذكره اضطراراً)، حتى ولو بكلمة (اه)، وهي كلمة اجتمع عليها المؤمن وغير المؤمن؛ فغير المؤمن لن ينطق بـ(الله)، أو بـ(لا اله الا الله)، ولكن سينطق بـ(اه) حتى ولو بالصورة فقط دون الحقيقة، أما المؤمن فينطق بها صورة وحقيقة فكانت كلفظ الجلالة (الله).
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن لهج بها صورة وحقيقة وتحقق بها آمين.