السنة الرابعة ربيع الأنور 1446 هـ - سبتمبر 2024 م


مولانا الإمام أ.د. علي جمعة
أسئلة المريدين - 15
مولانا الإمام أ.د. علي جمعة

 

س1: هل توجد أوراد خاصة غير الورد الذي معنا لترويض النفس على الطاعة؟

كثرة النوافل، وقيام الليل.

س2: هل يمكن أن أتلقى العهد والبيعة من مشايخ طُرق أخرى؟

ليس الآن، وبعد النضج يجوز؛ فسيدنا الشيخ البغدادي كان معه ست طرق: النقشبندية، والقادرية، والجشتية، وغيرها.

س3: شوشت آراءُ النابتة عليَّ حبي لشيخي، وقد يوسوس لي الشيطانُ بكلامهم الفارغ واتهاماتهم الباطلة فيعكر صفو قلبي وحبي لحضرتكم وأحاول صرف هذه الخواطر وأفشل كثيرًا، فماذا أفعل؟

لا تفعل شيئًا، وسوف تذهب هذه الأشياءُ إن شاء الله.

س4: مولانا ينصح دائمًا بالدخول من باب الحب، فهل هذا يتنافى مع المجاهدة؟

الحب نفسُه مجاهدة، فالحب صعب، فالحب عطاء، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

س5: ما معنى الحقيقة المحمدية، وهل عليها دليل صريح من الكتاب والسنة؟

روح سيدنا النبي كانت أولَ المخلوقات، وشأنه العبادة والطاعة، ومرتبته عند الله تعالى أنه سيد الأولين والآخرين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (لَعَمْرُكَ)، فحلف بحياته ولم يفعل ذلك مع غيره، فكل هذا فيه فضل رسول الله، وقال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)، والنبي يقول: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ)؛ فكل هذه الأدلة تدل على أنه الأسوة الحسنة (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه) (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)؛ بمعنى أنه المثال الأتمُّ، الإنسان الكامل الرباني، الذي أمرنا الله تعالى باتباعه.

فكان من شأنه أنه عبدَ اللهَ حتى رضي اللهُ تعالى عنه وأعلى قدره وذكره (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ)، فرفع ذكره وجعله يُذْكر معه (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛ لأنه وصل إلى الغاية التي ارتضاها الله في العبادة، حيث كان هو المثال الأتم الذي يرضى عنه الله تعالى.

ولقد خلق الله تعالى الخلقَ لعبادته (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، فَخَلَق الدنيا بما فيها من أجل عبادته، ولما كان  هو سيد العابدين، والمثال الأتم، ومن هنا يأتي قولهم (لولاك لولاك ما خلقتُ الأفلاك). وهذا ليس حديث، وإنما هو معنى كل ما ذكرناه.

أي أنه خلق العالم من أجل العبادة التي يمثلها سيد العابدين والعباد، أي أنه خلق هذا العالم من أجل هذا النموذج، ومن أجل هذه المرتبة، والتي لم يصلها أحدٌ قبله، فهو الأول.

وغيره من ساداتنا الأنبياء هم أسيادنا ونعالهم على رؤوسنا، ولكنهم لم يصلوا إلى مرتبة الْمَثَل الأتم.

ودليل ذلك أنه أسرى بعبده وجعله إمامًا للمرسلين، فهو الأول.

وفي يوم القيامة يذهب الخلق إلى الأنبياء حتى يصلوا إلى النبي فيقول (أَنَا لَهَا أَنَا لَهَا)، حيث يعتذر الكل، فيسجد عند العرش فيلهمه الله بمحامدَ كثيرةٍ لم يُلهِمْها أحدًا من قبل، حتى يقول يا محمد ارفع رأسك واشفع تُشفع وقل تُسمع، ولذلك نقول إنه تعالى خلق الدنيا عشان سيدنا النبي، أي من أجل المثال الأتم الذي وصل إليه النبي فكان في رضا الله فأراد الله من البشرية أن تتبع هذا الإنسان (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه)، فخلق هذا العالم من أجل العبادة التي يمثلها كمثال أتم عند الله سيدُنا محمدُ بنُ عبدِ الله، أي (لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، أي من اتخذ هذا المثال الأتم الذي رُضِي عنه أسوة حسنة.

إنما حساسية الكلام في قولنا إنه خلق العالم من أجل سيدنا محمد وهذا هو الذي لا يفهمه النابتة، وهو ما يسمونه العلماء المجاز، مجاز الحذف، فالنابتة أنكروا المجاز، ولذلك فَهُم جهلة باللغة والفكر وكتاب الله وسنة النبي وعقائد المسلمين. وهذا الجاهل نصبر عليه ونعلِّمه.

فنقول لهم وماذا عن قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى) فهل معنى ذلك أن الإمام الشاطبي الضرير صاحب القراءات وصاحب الشاطبية سوف يُحْشَر أعمى؟! بالطبع لن يُحْشَر أعمى، فمعنى الكلام أن الإنسان المراد في هذه الآية أعمى البصيرة وليس البصر، ومن هنا يكون هناك مجاز.

فهذه الناس النابتة شغب وليس علم.

س6: بعد فترة من الالتزام بالأذكار أصابني فتور فشعرت أنني لست أهلًا لهذا الطريق؟

نقول له: استمر ولا تخف، وكما يقولون باللغة الإنجليزية Ups & Down أي بعض الوقت في القمة، وبعض الوقت في هبوط (فوق وتحت)، فإن لكل شره (فوق) فترة (تحت). وكان أحمد عدوية المطرب يقول: حبة فوق وحبة تحت.

وهنا تجد البعض يعترض على قولنا ذلك، فنقول لهم: نحن نأخذ الحكمة لا يضرنا من أي إناء خرجت.

وعلى الجانب الآخر لابد أن نعرف أن الله تعالى أخفى وَلِيَّه في الناس، فلابد إذن أن تعامل الناس كلهم على أنهم أفضل منك.

س7: هل عدم شعور المريد برابطة مع الشيخ يعني أنه خارج عناية الشيخ؟

أبدًا، الشيخ وسيلة لدلالة على الله ، والعلاقة أصلًا بينك وبين الله.

س8: ماذا يفعل ليحقق رضا شيخه؟

يستمر في الأوراد، ويُكثِر من النوافل (مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي ... ) إلى آخر الحديث.

س9: إذا تركت الورد يومين أجد نفسي إنسانا آخر وعندما أترك الذكر تهاجمني الأفكار السيئة؟

هذا ممتاز، فهي علامة خير، حيث إنه إذا ترك الذكر يومين يجد قلبه يُنكر، وبذلك يتأكد أنه لو تركه فسوف يذوق المر.

وهذا ليس من النفاق بل هو عين الإيمان.

ومهاجمة الأفكار السيئة تقول لك عُدْ سريعًا إلى الذكر.

س10: تحدث بعضهم عن أن الشيخ عبد الله بن الصديق طعن في الصحابيين معاوية وعمرو، وتم توجيه تحذيرات على صفحات التواصل الاجتماعي، حتى وصل الأمر ببعضهم اتهام سيدي عبد الله بالتشيع، وأن ذلك يظهر في كتاباته؟

الحقيقة أن سيدي عبد الله رضي الله عنه كان يحب سيدنا عليًّا، وأهل السنة كلهم يحبون سيدنا عليًّا. وهذه الهلفطة لم تحدث.

فمِن حُب سيدنا عبد الله لسيدنا علي أنه عندما يُذكر مَن خالفه أو خرج عليه نجده يتكلم عن سيدنا علي بتعظيم ويتكلم عن غيره بدرجة أقل، وسيدنا النبي قال (الحق مع علي أينما كان) (أَنَا مَدِينةُ العلمِ، وعَليٌّ بَابها) (فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه) (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) (وسد الأبواب وترك باب علي) فسيدنا علي هو سيدنا علي، وكان سيدنا عمر يقول (قضية ولا أبا الحسن لها)، ولما أراد علي أن يذهب إلى العراق منعه عمر وحدد إقامته، وقال له كيف تتركني وحدي، فمن أين أجد حلولًا للمشكلات؟!.

وهذا الكلام المتداول لا تخوضوا فيه لأن ليس له أصل. فهناك البعض يعيشون في غيظ، ولا نعرف سبب غيظهم، فنتركهم (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، فسيدنا الشيخ عبد الله كان ناشرًا لمذهب أهل السنة والجماعة والحديث، ووقف ضد المبتدعة عبر السنين الطويلة. سيدنا عبد الله أخذ العالمية مرتين: الأولى عالمية الغرباء، ثم العالمية الكبيرة، فاتركوا هذا الهتر ولا تنشغلوا به.