
أسئلة المريدين - 11
مولانا الإمام أ.د. علي جمعةس1: رأينا حب التصدر، والكتابة وشهوة الظهور واللايكات والافتتان بكاتب المنشورات، وفجأة يسقط ذلك الكاتب فيما بعد، والتي خلعت الحجاب ويفتتن بها الكثير من المريدات، وعدم التوثيق وسرعة انتشار الشائعات، والكذب أصبح سمة أساسية من سمات السوشيال ميديا وأصبح يمثل خطرًا على الأسر والمجتمعات.
الجواب: أعوذ بالله (وهنا نلفت النظر إلى أن مولانا قد سبق وأن قال الاستعاذة عند ذكر مواقع التواصل الاجتماعي في اللقاء الثاني) أنا حتى الآن لم أدخل على السوشيال ميديا، فمن يريد أن يقلدني فليفعل، إلا أنها تبدو وكأنها شهوة عارمة، لأننا نهينا عن ذلك، ولكن الناس لم تستطع أن تمتنع، فمنهم من امتنع أسبوعين، وبعضهم ثلاثة، وأكثرهم امتنع شهرًا، ولكنهم عادوا لأنه (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، فأحسوا بخنقة شديدة لامتناعهم، فصارت السوشيال ميديا كالماء - والعياذ بالله تعالى – للسمك، ولذلك وحتى لا نكلف الناس ما لا يطيقون تركناهم إلى ضمائرهم وأنفسهم.
ولكن لابد أن نعلم أن الأصل في السوشيال ميديا أنها تحتوي على كثير من القاذورات والقمامة، وأنها فتنة عارمة، إنما يستعملها بعضهم للخير ويحاول أن يضع فيها الخير، وبالرغم من ذلك يحدث فيها ما يحدث، فلكي يترقى الإنسان مع الله سريعًا، فعليه أن يمتنع عن اللغو والكلام الكثير، قال العلماء: واللغو مباح.
فهذا اللغو المنهي عنه، هو مباح، فعندما تنظر إلى كمية الكلام الذي تقوله – خاصة البنات – تجد أننا يمكن الاستغناء عن 90% مما نقوله، فالشائع أن الناس لم تمتنع.
فالشائع أن الامتناع عن اللغو صعب، ولذلك نقول: إلا من رحم ربي، وعليه فلا نستطيع أن نكلف الناس بشيء يصبح فتنة عليهم، فإذا طلبنا من الناس الامتناع عن السوشيال ميديا وَجَدُوا ذلك قاسيًا.
كما أنها قليلة التوثيق، وغير موافقة للأوامر في مجملها، بل إن فيها (كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)، وأن فتنتها أكبر من نفعها.
وبالرغم من كل ذلك فإننا نتواءم مع العصر لأنه عصر فتن وليس عصر ورع.
وعصر الفتن له ملامح، منها:
* في عصر الفتن: أعط الناس حقوقهم، ولا تسألهم حقك، واسأل الله السلامة.
* في عصر الفتن: حد الورع غير مطلوب، ونطلب الحلال والحرام، ونتمسك بالحلال ونبتعد عن الحرام، فالورع بابه واسع، وقالت الصحابة: (كنا نترك سبعين بابًا من الحلال خشية أن نقع في باب واحد من الحرام)، والآن لو تركت بابين فقط وليس سبعين تتلخبط حياتك.
* في عصر الفتن: من كرم الله أننا إذا أتينا بعُشْر ما أُمِرْنَا به نَجَوْنَا، وأن الأوائل لو تركوا عُشر ما أُمِرُوا به هَلَكُوا.
* في عصر الفتن: أن العامل فيه له أجر خمسين منكم، قالوا: منا أم منهم يا رسول الله، قال: بل منكم، قالوا: ولمَ هذا؟ قال: لأنكم تجدون عونًا على الخير، وهم لا يجدون، (إنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ لِلْعَامِلِ فِيهَا أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ، فَقَالُوا: بَلْ مِنْهُمْ، فَقَالَ: بَلْ مِنْكُمْ; لِأَنَّكُمْ تَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا، وَهُمْ لَا يَجِدُونَ عَلَيْهِ أَعْوَانًا).
* إذا كانت البيئة والعصر كله يدعوك إلى الخير فعندما تفعل الخير فأنت تسير مع التيار، أما في عصر الفتن (القَابِض على دينِهِ كالقَابِض على الجَمر).
أما عن التي خلعت الحجاب، وفلان ترك كذا وكذا، فهل قال تعالى لنا لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة أم قال ذلك عن سيدنا رسول الله (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)؟؟
وهنا نقول لكم: أنت المخطئ لأنك صدرت هذا الإنسان، وجعلته قدوة لأنه كتب أو نشر، وهنا لابد من أن نبين أن (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)، ومن ناحية أخرى وأنتم تتحدثون عمن خلعت الحجاب، هل تعلمون ما الذي بينها وبين الله تعالى؟ فحتى لو ظننتم أنكم تعرفون، فأنتم لا تعرفون، فمنكم من يعتقد أنها فاسقة، والآخر يظن أنها معذورة، والثالث يظن أنها سوف تعود مرة أخرى إن شاء الله، وهكذا، سبحان الله الذي (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)، ونحن ننكر الفعل ولا ننكر على الفاعل بل نستره، لأن (مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، أما موضوع الفضيحة والانهيار، والتقليد، وغير ذلك، فليس من دين الله في شيء، والقاعدة هي:
وَكُلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ .. غَرْفًا مِنَ البَحْرِ أَوْ رَشْفًا مِنَ الدِّيَمِ
وَوَاقِفُونَ لَدَيْهِ عِنْدَ حَدِّهِمِ .. مِنْ نُقْطَةِ العِلِمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَم
فَهْوَ الذِّي تَمَّ مَعْنَاهُ وَصُورَتُهُ .. ثُمَّ اصْطَفَاهُ حَبِيبًا بَارِئُ النَّسَمِ
مُنَزَّهٌ عَنْ شَرِيكٍ فيِ مَحَاسِنِهِ .. فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فِيِهِ غَيْرُ مُنْقَسِمِ
دَعْ مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارَى فيِ نَبِيِّهِمِ .. وَاحْكُمْ بِمَا شِئْتَ مَدْحًا فِيهِ وَاحْتَكِمِ
وَانْسُبْ إِلىَ ذَاتِهِ مَا شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ .. وَانْسُبْ إِلىَ قَدْرُهُ مَا شِئْتَ مِنْ عِظَمِ
فَإِنَّ فَضْلَ رَسُولِ اللهِ لَيْسَ لَهُ .. حَدٌّ فَيُعْرِبَ عَنْهُ نَاطِقٌ بِفَمِ
لَوْ نَاسَبَتْ قَدْرَهُ آيَاتُهُ عِظَمًا .. أَحْيَا اسْمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ
لَمْ يَمْتَحِنَّا بِمَا تَعْيَا العُقُولُ بِهِ .. حِرْصًا عَلَيْنَا فَلَمْ نَرْتَبْ وَلَمْ نَهِمِ
فالقائد والأسوة والحبيب المتبوع والحبيب هو سيدنا النبي، وليس فلانًا أو علانًا، فالكل نقيسه بالنبي، فإن أطاعوا فعلى خير، وإن عصوا فأمرهم إلى الله، وهذه هي حلاوة الإيمان.
إنما الترصُّد بالناس، والظن فيهم، والإنكار على الفاعل، ونقَدِّم من نقدم، ونؤخر من نؤخر، وكذلك في السوشيال ميديا من يقول: قطب الأقطاب، ومعلِّم الأولياء، من قدمه على رقبة الجميع، وغير ذلك، كله غلط، إنما المفروض أن نقول: العبد الفقير إلى ربه الغني، يارب سلم سلم، أو كما قال سيدنا النبي: (أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)، وهذا بعد ما غُفِر له، وفُتح عليه، وصار عبدًا ربانيًّا، يريد أن يكون عبدًا شكورًا أيضًا، وهو فوق العبد الرباني، أي العطاء، فكل هذه الأشياء أخطاء منا، نقوم بها، تصدير من لا يستحق التصدير من غير قياس صحيح.
لابد أن نفهم العصر الذي نحن فيه، وقضية اللغو، وكثرة الكلام، وكثير من الناس يُفتن في ذلك، فمثلًا شاع الآن في الفيس بوك وما شابه أن هناك من المتصدرين في الطُّرُق يقول: أنا الطاهر، وأنا الطيب، وأنا من بيدي الجنة، فمن أحبني يُرْفَع عنه عذاب القبر، ولا تحدث له ضمة القبر، هذا يحدث بالفعل على الميديا، بينما كلنا يعلم أن زينب الكبرى الصديقة بنت سيدنا النبي لما جاء فدفنها نزل قبلها وقال: حتى أُخَفِّف عنها ضمة القبر، وهي الصديقة بنت النبي، فضمة القبر حتى على الصديقة بنت النبي، وسيدنا بجسده الشريف الذي هو محل مركز الأكوان، يجلس مكانها حتى يخفف عنها لا أن يُنْهِي، بينما هذا الرجل من جهله يظن أن من يحبه سوف يدخل الجنة وغير ذلك.
هذا الكلام موجود في تراثنا كثيرًا، ولكن لا تنشغلوا بهذا، وهذه كالقذاة في عين أخيك، فهو كمن حدث له جنون فلا تقف عند جنونه.
ويأتي لنا من يريد أن يفتح علينا النار، فيقول: وهل تؤيد ذلك؟
انتبهوا فكل هذا من عمل السلفية، بينما العفو والمسامحة والتجاوز وعدم الاهتمام، والاهتمام بالنفس والتقويم الصحيح هو ما نصبوا إليه.
وانتبِهوا فقد نأتي يوم القيامة ونجد إكرام الله له لأنه أصابه الجنون فينفذ له ما أراد، لأنه ليس على المجنون حرج، فقد يحدث ذلك في الآخرة فلا دخل لنا بذلك لأن الآخرة ليست ملكنا (ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ)، إنما في الدنيا فهذا لا يصح. نحن نعبد (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، ولقد قال: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، فهل يظن كل منا أنه إله، وأنه يستطيع فعل أي شيء يوم القيامة.
فعليك إنكار الفعل في الدنيا، ولا تتكلم عن الفاعل، بل قل: ربنا يهديه .. ربنا يوفقه .. ربنا يكرمه، وهكذا.
وبعد كل هذا يأتي أحدهم ويسألني بطريقتهم الغريبة في التعبير: هل توافق؟ فهذا الشخص يريد أن يمسك بعصا يتشاجر بها مع الناس.
وهنا إذا قلت لكم: يخرب بيت الكفرة والمشركين، تجده يُسَر، يعني ينبسط لأننا ندعو عليهم.
يا أولاد نريد أن نصل إلى القلوب الضارعة، وأن نهتم بأنفسنا مع ربنا، واجعل قلبك مع ربك، وانتبه فإن الناس سوف تغبش عليك الأمر.
فإذا جعلت قلبك مع ربك وجدت الأنوار والأسرار والترقي وكل الأشياء الجميلة.
س2: المقدمون كيف تم اختيارهم؟ وما هي وظيفتهم؟ وما هو دورهم؟ هل هم مشايخ في الطريقة بالمعنى الاصطلاحي؟
لم نختر أحدًا، ربنا هو الذي اختار، وليس معنى ذلك أن ربنا تكلم معنا، بل وجدنا من أتى إلينا ومعه 20 مريدًا ويقول لي أريد الطريق، فقلت له: تعال، فقال: معي 20، فقلت له: كن مقدمًا لهم، فلم أتدخل لأجعله مع العشرين، ولا تدخلت لجعل العشرين معه، ولم أقم بعمل فيش وتشبيه لهم، ولم أختبرهم، ولم أسألهم عن أعمارهم، وهل معنى ذلك أنها سبهللة؟ أقول: نعم سبهللة أي: سيبها لله، وهل يجوز أن تكون هناك واحدة من النساء مقدِّمة؟ نعم يجوز، في طريقتنا – عند الشاذلية - لا مانع، على عكس النقشبندية فلا يجوز عندهم، وعندنا في الصديقية عدد من المتابِعات الآن والحمد لله رب العالمين.
وهل لابد أن يكون المقدم شيخ إسلام؟ لا ليس شرطًا، إذن ماذا يفعل؟ إنه يرشد ويدل على الله، ويجمع الناس كالإداري، فهل من الممكن أن يكون من كبار أولياء الله الصالحين؟ نقول : يارب، وهل أكره أن يكون المقدمون في طريقتي من كبار رجال أهل الله، وأكون أنا شيخهم، هل أرفض ذلك، وأقول : يارب أنا مش عاوز!! بل أقول هذا أمر طيب.
ويسأل الناس: إن منهم من هو خريج كلية الشريعة، فأقول: وما الضرر في ذلك؟ فأنا أستاذ الكل، أنا أستاذ جامعي منذ أكثر من 40 سنة، وأنا أدرس للخلق.
ويسأل الناس: لكننا سمعنا إشاعة أن فيهم الأقطاب الأربعة؟ طيب وإيه المشكلة أن يكونوا كذلك أو الأوتاد أو الغوث نفسه، وما دخلي في هذا .. لا تَدَخُّل لي مطلقًا في ذلك.
نحن نريد الذكر والفكر .. تخلية القلب من القبيح، وتحليته بالصحيح ..
ومن القبيح الكبر، وفرد الجناحات، ومن الصحيح التواضع لأن (مَنْ تَوَاضَعَ للهِ رَفَعَهُ) .. نحن نريد الآخرة.
انتبهوا فإن فرصتنا في الدنيا قليلة جدًّا لا تزيد عن ثلاث دقائق فقط، فالدقيقة تساوي 34 سنة، فمن عاش 100 سنة كأنه عاش 3 دقائق .. احسب من عمرك الحالي تجد أنه لم يتبق أمامك دقيقة أو أقل .. انتبهوا واعملوا واذكروا، لا وقت لدينا.
ويسأل البعض: يمدح بعض المريدين في المقدم بتاعه؟ وما المشكلة؟ لماذا تغتاظ؟ اتركه يمدح في مقدمه كما يريد، وامدح أنت في مقدمك، لكن انتبه إلى أن هذا المقدم وغيره إنما هو مرشد إلى الله، فإذا دخلت الدنيا إلى قلبه، وظن نفسه من الزعماء لن يصلح حينئذ، ولذلك لابد وأن تكون الدنيا في يد المقدم، وهو يرشد إلى الله، وكذلك الحال بالنسبة للشيخ الذي هو أنا، فلو دخلت الدنيا ولو همسة فلن يستطيع أي شيء، ومن هنا فلابد أن نتواصى بالحق، ونتواصى بالصبر على هذا الحق، (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، لأن الحق مر، والصبر أَمَرّ منه، فلابد أن نتواصى بالحق وأن نتواصى بالصبر.
س3: هل يتبع المريد ما يراه من أذكار في الرؤى ويفعلها؟
لابد من العرض على الشيخ أو المقدم، فيعرض عليه ما يأتيه ليدله، ولدينا قاعدة عامة، وهي أنه في حالة ورود أي شيء من هذا القبيل سواء كان في الخاطر أو الوارد أو الرؤيا، نذكر بها يومًا واحدًا فقط مائة مرة.
مثلا رأيت في الرؤيا (يا لطيف)، فأقولها مائة مرة في يوم واحد، وبذلك نكون قد عَمِلْنا بها، وكذلك لو جاءت صيغة من صيغ الصلاة على سيدنا النبي فنقولها مائة مرة لمدة يوم واحد فقط.
س4: هل تَحَرُّجُ المريد من الشيخ حرجًا شديدًا أمر طبيعي؟
نعم أمر طبيعي، وهو من الحياء، و(الحَيَاءُ خيرٌ كلُّه)، فإذا جاءني من يقول لي: أنا أستحيي منك، فهل أرده وأوجهه إلى العكس؟! بالطبع الحياء خير، ومن ذلك أن سيدنا أبا هريرة لمح سيدنا النبي وهو قادم فقام بالاختباء خلف شجرة، فذهب إليه سيدنا وسأله عن سر اختبائه خلف الشجرة، فقال له: إني جنب، فقال له سيدنا: (سُبْحَانَ الله إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ)، فالجنابة حالة تمنعك من الصلاة، ولا تنقلك من الطهارة للنجاسة، أي أنها جعلتك في دائرة لا تستطيع بها الصلاة.