السنة الأولى جمادى الآخرة 1443 هـ - يناير 2022 م


د. محمد وسام خضر
تحقيق قصيدة العلامة القصبي في بناء مقام السيد البدوي رضي الله عنه عام 1285 هجرية
د. محمد وسام خضر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وملائكة الله، وبعد..

فهذه قصيدة مباركة، نظمَتْها يراعٌ شريفةٌ لإمامٍ شاعرٍ، وفاض بها قلبٌ محبٌّ لوليٍّ عارف، هو العلامة الإمام السيد محمد بن محمد إمـــام القصبي [ت1316هـ]، في مديح السيد أحمد البدوي رضي الله عنه، وذلك عند بناء مقامه الشريف عام 1285 هجرية.

أما الناظم:

فهو -كما ترجمه صاحب "مرآة  العصر"[1]-: "العلامة الشهير، الفاضل الفهامة النحرير، الكامل السيدُ محمدٌ القصبي، شیخُ الجامع الأحمدي، نجلُ المغفور له الإمامِ الدرّاكةِ السيدِ محمدٍ القصبي شیخِ الجامع الأحمدي، ابنِ المغفور له صاحبِ المكارم والولاية، المشهودِ له بالدراية، السيدِ حسن طلحة، ابنِ المرحوم السيد محمد طلحة، ابن السيد مصطفى طلحة، ابن العلامة الشريف الحسني السيد عيسى طلحة؛ المنتهي نسبُه إلى مولاي إدريس الأصغر، ومنه إلى سيدنا الحسن عليه السلام، ابن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بنت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وابن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. أقام مولاي إدريس في مدينة فاس من مدن المغرب فكثرت فيها ذريته وانتشرت في أنحاء البلاد المغربية ومنها الشريف طلحة الحسني الذي ارتحل من فاس إلى قصيبة من أعمال تلمسان في بلاد الجزائر، وتناسل هنالك، وكان من أولاده السيد الشريف عيسى طلحة وهو أول من دخل إلى الديار المصرية من أجداد صاحب الترجمة.

فهو غصنٌ من دوحة شرف النسب، وفرعٌ من أصل نبل الحسب، وإنسان عين المجد، وبدر فلك السعد، عماد العلم ونبراس الفضل، فعالُه غُرَر، وأقوالُه دُرَر، في الخطابة طويل الباع، وفي الكتابة بارع اليراع، جمع من كل شيء أحسنَه، وأجاد في كل عمل وأتقنه، وسلك على مسيرة آبائه الكرام، فكان ثمرة من شجرة الفخار والسؤدد، فصدق فيه قول القائل:

حيَّى الإلهُ أصولًا أنبتت غصنا .. جلبـــابُه الفضلُ لا جلبابُه الوَرِقُ

إن نازع الضدُّ في عليـــائه فعلى .. تقديمه الڪلُّ بالإجمـــاع متفِقُ

ولد في الخامس عشر من شهر ربيع الأول سنة 1255 هجرية، ورُبِّيَ في منزل والده السيد محمد القصبي في مدينة طنطا، مضرب قبة القطب النبوي، الشريف السيد أحمد البدوي، ونشأ على مثال والده مجتهدًا في طلب العلم، ولوعًا باقتناء كنوز الفوائد، فحفظ القرآن واعيًا لمعانيه، واستظهر متون العلوم على اختلاف أنواعها، وأمعن في فصولها، محيطًا بفروعها وأصولها، وكل ذلك في أقرب ما يصدق به العقل من الزمن.

ولما ارتوى من مناهل الدراسة تولى وظيفة قراءة البخاري في الجامع الأحمدي، وأخذ المرتب لها من ديوان الأوقاف في شهر ربيع الثاني سنة ۱۲۷۳ هجرية وعمره وقتئذ لا يتجاوز الثامنة عشرة من السنين، على أن ارتقاءه إلى منصات التدريس لم يشرف به إلى درجة الخيلاء، بل كان كل يوم يتفرغ للجلوس خاضعا خاشعا بين يدي والده والعلماء الأعلام، يأخذ عنهم علم ما يجهل، ويستكمل ما نقصه من أصول المسائل.

ولما انتقل والده بدعوة ربه إلى دار الآخرة كان لصوت نعيه صدی شجون في الديار المصرية، وكثر أسف الخديوي، حتى أدّى به إجلال المصاب إلى الأمر بتعطيل دواوين الحكومة في طنطا يومَ توفي، وهو يوم الثامن والعشرين من ربيع الثاني سنة ۱۲۹۸ هجرية، وبعد خمسة أيام من تاريخ وفاته استدعى الجناب الخديوي صاحبَ الترجمة وعينه مكان أبيه في وظيفة مشيخة الجامع الأحمدي، وألبسه حُلّتَها السنِيّة الرضية، وخاطبه بما عزّاه بعض التعزية عن مصابه، في جمعٍ مِن أكابر العلماء وأجلة الأساتذة المرؤوسين، بحضرة إمام العِلْم الشيخ العباسي المهدي شيخ الإسلام ومفتي الأحكام في الديار المصرية، وما منهم إلا مَن حَمِدَ الخديوي على رقة طبعه وتفقده لأهل بيوت العلم، وقاموا جميعهم داعين له، وانصرفوا، وعاد صاحب الترجمة إلى مدينة طنطا منعكفًا فيها على تلقين العلم وخدمة الفقراء، قائمًا بما يجب عليه لمقام الرفيع ومقام الوضيع، ناظرًا في ذلك رضى المولى سبحانه وتعالى.

وفي سنة 1312هـ قام بعض أهل الجامع وشكا منه لغرض في النفس، فاستقال الشيخ من وظيفته، وصدر الأمر الكريم بانفصاله عنها وضم الجامع الأحمدي إلى إدارة الجامع الأزهر.

ونظرًا لتعلقه بمحبة العلم فقد كان يتردد دائمًا إلى الجامع الأحمدي ليمد المجاورين بإحسانه ونصائحه، وهو في طبعه الكريم لا يقفل دون سائلٍ بابًا، ومن قصده في حاجة لا يرجع من عنده خائبًا، ومآثره الحسنة أشهر من أن تنعت بوصف، فهو قد بنى لله مسجدًا بقرب طنطا قرب المدرسة الأميرية خلاف المسجد الذي بناه بها والده.

وبنى أيضًا سبيلًا لشرب الناس، وبجانبه حوضًا لشرب البهائم، وبنى اثني عشر مدفنًا لدفن الفقراء، وذلك جميعه أنفق عليه من ماله الخاص" انتهى من كتاب "مرآة العصر" بتصرف يسير.

وقد ترجمه العلامة الدكتور أسامة السيد الأزهري حفظه الله ترجمة رائقة في موسوعته الغراء "جمهرة أعلام الأزهر الشريف"، وجمع ما تفرق من ترجمته في بطون الكتب والمراجع، من مظانها وغير مظانها؛ فأتى من ذلك بما كفى وشفى[2].

ولما تولى مشيخة الجامع الأحمدي أنشد العلامة شهاب الدين أحمد الحُلواني الخليجي [ت1308هـ] (وهو من تلامذة والده) يهنئه قائلًا:

قيل زید يليق شيخًا، وحاشا .. ما سوى ابن الإمــام فيها بنافعْ

قُضِيَ الأمرُ من يشا فليؤرخْ .. أُسْوِيَ ابنُ الإمام شيخَ الجامعْ

 ونال نقابة الأشراف بطنطا، كما نال كسوة التشريف العلمية من الدرجة الأولى، وكان إسناده العلمي الذي يجيز به: عن أبيه السيد محمد إمام القصبي، عن العلامة محمد الطوخي، عن العلامة حسن القويسني، عن العلامة محمد الأمير الكبير بما في ثبته.

وتوفي رحمه الله تعالى سنة 1316 هجرية[3].

وكان رحمه الله تعالى مواظبًا على الاحتفال بالمولد الحسيني الشريف في منزله بالقاهرة، يدعو إليه العلماء والكبراء؛ فجاء في "جريدة الإسلام" في عددها التاسع، الصادر في غرة جمادى الأولى سنة ۱۳۱۲هـ الموافق 30 أكتوبر سنة 1894م ما نصه:

"واحتفل حضرة العالم الفاضل السيد محمد القصبي شیخ الجامع الأحمدي بمولد سيدنا الحسين رضي الله عنه، فأمَّ منزلَه بالجمالية حضراتُ صاحب السماحة السيد البكري نقيب الأشراف، وشیخ المشایخ، وأصحاب الفضيلة: الشيخ محمد البنا مفتي الديار المصرية، والشيخ الرافعي، والشيخ حسن الطويل، والشيخ سليمان العبد، والشيخ سليم القلعاوي ، وغيرهم من العلماء والذوات والأعيان، وقد أحييت تلك الليلة بتلاوة الآيات القرآنية الشريفة ، والأوراد المباركة، ووزعت الصدقات، ثم ختمت الحفلة بالدعاء لسمو خدیوینا المعظم، ورجال حكومته السنية"[4].

وعائلة القصبي عائلة عريقة لها تاريخ ديني ووطني وسياسي عريق، ومن أشهر أحفاد صاحب الترجمة في هذا العصر: معالي النائب السيد الدكتور عبد الهادي أحمد عبد الهادي عبد العزيز حامد حسن القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، وعضو مجلس النواب المصري، وصاحب الترجمة عم جده.

شعره:

للسيد محمد القصبي شعر فائق، ونظم رائق، وقد جمع عصريُّه الأستاذُ عزيز أفندي زند، مدير جريدة "المحروسة" ومحررُها، مختاراتٍ من شعره تزيد على السبعين قصيدة ومقطوعة شعرية، في شتى الموضوعات وعلى مختلف بحور الشعر، وضمنها شيئًا من شعر والده، وتكفل بطبعها في حياته؛ باسم: "العقد الذهبي، وهو مجموع مختارات أشعار حضرة العلّامة العامل والفهامة الفاضل السيد محمد القصبي، شيخ الجامع الأحمدي"، وطبعت بمطبعة "المحروسة" سنة ۱۸۹۱م، وأهدى الكتاب إليه بقوله:

"إلى حضرة قرة عين الڪمال، وغرة جبين الإفضال، سيدي العزيز الأڪرم، السيد محمد القصبي الأفخم، أطال الله وجوده، وأدام كرمه وجودَه. هذه -أعزّك الله وأبقاك، وحيّاك وبيّاك- غُرَرُ بناتِ أفڪارك، ودُرَرُ مختارات أشعارك، قد التقطتُها من أبياتك الأبيَّات[5]؛ وهي متفرقة متناثرة، فأودعتُها في بطون هذه الصفحات؛ فجاءت مجموعةً فاخرة، ثم رأيتُ أن أجعلَها تحفةً برسم فضلك الزاهي الزاهر، وطُرفةً إلى مقام نُبْلِك الباهي الباهر، راجيًا أن تمهد لها سبيل القبول لديك، ليكون مبدأُ الفضل منك ومرجعُه إليك، وحسبي أن يكون رجائي مقبولا، فيتحقق ما كان منك مأمولًا"[6].

وكان متفنِّنًا في شعره، بارع التصرف فيه، قوي التمكن منه، وكان ينظمه من صغره؛ حتى إنه أرَّخ لظهور أول شعرة شيبٍ في عارضه وهو ابن واحد وعشرين سنة في قصيدته:

يا شيبُ مالك قد أتيتَ مبادرًا .. قبل الأوان منغصًـــا لذّاتي

ولم يخلُ شعره -على جزالته وفصاحته- من أن يكون موضوعًا للنقد الأدبي، فقد ألف الشيخ علي محمد سالم بن سالم المدرس بالجامع الأحمدي كتابا سماه: "الانتقاد الأدبي، على ستارات أشعار السيد محمد القصبي، التي وضعها في كتابه الذي سماه العقد الذهبي"، طبع سنة ۱۳۱۲هـ، مما يشير إلى رواج سوق الأدب، وأريحية العلم بين أهله، وأن البساط فيه "أحمدي" كما يقال.

القصيدة:

هذه القصيدة المباركة قالها الإمام القصبي في مناسبة بناء المقام الأحمدي الشريف، وذكر فيها أن هذه المناسبة كانت أشبه بمحفل توافد إليه الكبار والصغار، وشارك فيه الفقراء والأمراء، وتساعد فيه الرجال والنساء، وتعاون فيه المسلمون والمسيحيون؛ في مظهرٍ وطني راقٍ تُفاخِرُ به مصرُ بلادَ الدنيا، فهي صاحبة أعظم تجربة وطنية للتعددية عبر العصور. وتطرّق الإمام القصبي إلى ما حصل في هذا البناء من كرامات ونفحات، وما حصل للمشاركين فيه من تواصل الأفراح، حتى واصلوا المساء بالصباح، وأنساهم السرورُ والطرب، كلَّ عناء وتعب، وملأها بمديح القطب النبوي والوارث المحمدي السيد أحمد البدوي، رضي الله عنه وأرضاه، وقدس الله سره، والإشادة بكراماته التي عمت البقاع، وانتشرت في الأصقاع، منوِّهًا بعظيم رتبته، وحاثًّا على التوسل بحضرته.

مناسبة القصيدة:

جاء في ديباجة القصيدة في كتاب "المجموع الظريف، الحاوي غرائب الأطاريف" للأستاذ حسن وهبة: "ولحضرة الفاضل والهمام الكامل، الحسيب النسيب، ذي الرأي المصيب، السيد محمد القصبي الإمام، نجل الحبر الفاضل شيخ الإسلام، مدحًا لجناب سيدي أحمد البدوي، ومشيرًا لما جرى عند بنائه من الڪرامات العجيبة، والأحوال الغريبة. عُفِيَ عنه آمين"[7].

وجاء في "العقد الذهبي": "وقال هذه المِدْحةَ السنِيّة، والنبذة التاريخية، في بناء مقام القطب النبوي، سيدي أحمد البدوي"[8].

وهذه المناسبة الشريفة كانت عام 1285 هجرية، كما يُعرَف من حساب الجُمَّل[9] في آخرها، وهذا العام الهجري يوافق العامين الميلاديين 1868 و1869، وذلك في فترة حكم الخديوي إسماعيل التي امتدت من: 18 يناير ‏1863‏م إلى ‏26 يونيو‏ ‏1879‏م.

تجديد لا بناء:

والمقصود هنا ببناء المقام الأحمدي: تجديدُه، لا أصل بنائه؛ فإن مقام السيد البدوي رضي الله عنه كان مبنيًّا قبل ذلك، ووسَّعه السلطان الملك الأشرف أبو النصر سيف الدين قايتباي [ت901هـ].

ولما جاء علي بك الكبير [ت1186هـ] جعل الزاوية مسجدًا فخمًا، وبُنِيَت لها ثلاثُ قِباب: كبراها للسيد البدوي، والقبة الغربية لسيدي عبد العال، والقبة الشرقية لسيدي مجاهد شيخ المسجد الأحمدي في عصر علي بك. وصُنِعَتْ حول ضريح السيد البدوي رضي الله عنه مقصورة من النحاس، نُقِشَتْ عليها سلسلةُ نسبه الشريف، وذلك عام 1186 هجرية؛ حسبما دُوِّن على المقصورة.

وفي عهد الأسرة العلوية نال المسجد تجديدًا كثيرًا، بدءًا من الخديوي عباس باشا الأول [ت1270هـ] الذي اعتنى به مرتين: مرة عام 1252 هجرية عندما كان مديرًا للغربية، ومرة عام 1264 هجرية عندما كان على عرش مصر.

ثم جاء الخديوي محمد سعيد باشا [ت1279هـ] فأنشأ المقرأة السعيدية وأوقف عليها الأوقاف.

وفي عهد الخديوي إسماعيل باشا "شمل طنطا بعنايته، وخصها برعايته، وكان له مكان خاص ينزل فيه عندما يزور طنطا، وقد زار السيد البدوي عدة مرات"؛ كما يقول العلامة المؤرخ علي باشا مبارك[10]، "وله جهود مشكورة، ومبرات مأثورة؛ فأوجد أسباب الرقي والعمران في مدينة طنطا؛ إكرامًا للسيد البدوي"؛ كما يقول شيخ الإسلام الأحمدي الظواهري[11].

مهندس التجديد:

هذه المناسبة في تجديد المقام الأحمدي: كانت ضمن الجهود التي أولاها الخديوي إسماعيل باشا لإتمام الجامع والمقام الأحمدي وتجديده، وكان المتولي لذلك والقائم على ترتيبه وتنفيذه: أحد كبار المهندسين في تاريخ مصر الحديث، المهندس المشهور مصطفى بهجت باشا (مصطفى محرمجي أفندي)، الذي اشترك مع المهندس الفرنسي موجيل بك (Dieudonné Eugène Mougel) في بناء القناطر الخيرية، وصاحب تصميم وبناء ترعة الإبراهيمية، وكان ناظر مدرسة القصر العيني، ثم ناظر مدرسة المدفعية، ثم مفتش هندسة المنوفية والغربية، وقد عهد إليه عباس باشا بوضع تصميم تجديد الجامع الأحمدي، فقام بمهمته خير قيام، إلى أن تم بناؤه في عهد إسماعيل، كما يذكر المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه "عصر محمد علي"[12]، ويفصل ذلك صاحب "الخطط التوفيقية" فيقول: "وقد حصل هدمُه والشروع في تجديده من مدة المرحوم عباس باشا، إلى أن تم على أحسن نظام في زمن الخديوي إسماعيل باشا، وكان رسمه على هذا الوضع الجليل بنظر وملاحظة صاحب العلوم والمعارف، والمحاسن واللطائف، البالغ في فنون الرياضة منتهاها، سعادة المرحوم بهجت باشا عامله الله بالإحسان، وتغمده بالرحمة والرضوان، وجميع مصارفه في البناء وغيره من أوقافه؛ فإن له أوقافًا جمة لا تحصيها إلا الدفاتر"[13].

ومن بركات السيد أحمد البدوي رضي الله عنه على هذا المهندس الكريم، أنه بمجرد إنهائه لتجديد المقام والمسجد الأحمدي عينه الخديوي إسماعيل في السنة التي تليها (1870م) وزيرًا للمعارف العمومية، وصار بعدها من كبار الأعيان، الذين يشار إليهم بالبنان[14].

وصف المسجد والمقام الأحمدي بعد تمام التجديد:

وصف العلامة علي باشا مبارك المسجدَ والمقام بعد تمام تجديده في هذه المناسبة، فقال: "لا يفوقه في التنظيم وحسن الوضع والعمارية من المسجد إلا قليل، وهو في وسط البلد تقريبًا، يحيط به أربعة شوارع، وفي ضلعه القبلي مقام قطب الأقطاب سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه، وعلى ضريحه مقصورة من النحاس الأصفر في أحسن شكل، وقبة عالية مثل قبة الإمام الشافعي، وبداخله أيضًا مقام تلميذه سيدي عبد المتعال، ومقام سيدي مجاهد، وبه نحو ستين عمودًا من الرخام الأبيض، وله في تدريس العلوم به شَبَهٌ بالجامع الأزهر؛ ففيه نحو ألفي طالب غير المدرسين، ولهم شيخ كشيخ الأزهر"[15].

تحقيق القصيدة:

وقعت لي القصيدة اتفاقًا في إحدى المجموعات الخطية بالمكتبة الأزهرية؛ تحت عنوان "قصيدة القصبي في كرامات السيد أحمد البدوي"، فشاقني موضوعها، وراقني مطلَعُها، ورجعت إليها، فإذا هي ضمن مجموع للأستاذ حسن وهبة بعنوان "المجموع الظريف، الحاوي غرائب الأطاريف"، وقد فرغ من تأليفه عام 1288 هجرية، وختم بالقصيدة هذا المجموع، فجاءت مسكَ الختام.

وبعد أن كتبتُ القصيدة وضبطتُها وصحَّحْتُ ما تصحف منها، عرفتُ بكتاب "العقد الذهبي"، فسعيت للحصول عليه[16]، فوجدتُ فيه القصيدة مع بعض التغيير والزيادة، فقابلتُ بينهما، وأضفتُ ما زاد من الأبيات، وأثبتُّ ما حصل من التغييرات، وعلَّقت شرحًا لبعض العبارات، ورمزت للمخطوط برمز (خ)، وللمطبوع برمز (ط).

نص القصيدة:

 1- بُشرَى فقد ذهب الزمانُ الأنكَدُ
2- حاشا نُسَاءُ مِن الزمان وأهلِه
3- قطبُ الوجودِ أبو الوفودِ ومَن له
4- مِن بحره أهلُ الصفا شربوا وكـ
5- أطرِبْ مسامعَنا بذكر البعض مِن
6- واذكر حديثَ بنائهم لمقامه
7- كم في بناءِ مقامه مِن آيةٍ
8- مِن كلِّ فجٍّ قد أتَوْه تطوُّعًا
9- وتجمَّعَتْ مِن كلِّ جنسٍ أمّةٌ
10- وتألفت أممُ النصارى فيه مع
11- وبه الرجالُ مع النساءِ وكلُّهم
12- وبه عظيمُ الناس صار مساويًا
13- والناس فيه كالسُّكارَى لم يرَوْا
14- ونَسُوا همومهمُ وأنشَدَ حالُهم:
15- وتواصلَتْ أفراحُهم في ليلهم
16- وأتَتْ لنا البُشرَى تُخَبِّرُ أنه
17- فعبادةُ الرحمن عاد نظامُها
18- في ڪل وقتٍ فيه هذا ذاكرٌ
19- من رام يسأل عن مقامٍ للدُّعا
20- قم فابتهل فيهِ إلى الله تَجِدْ
21- قم واطلبِ الإحسانَ فيهِ تُعْطَهُ
22- قم واطلب الرضوان فيه فإنه
23- واطلُبْ مِن الخيراتِ مهما تبتغي
24- بل بالدخول بلا تَطَلُّب حاجةٍ
25- بل في أقاصي الأرض تبلغ كلما
26- كم أخبرَتْ أممٌ بأنّ بلادَهم
27- كم فُرِّجَتْ كُرَبٌ إذا ذُكِرَ اسمُه
28- كم فُكَّ عانٍ، كما أزال ظُلامةً
29- كم دَلَّ ركبًا في الفيـــافي تائهًا
30- كم رَدَّ مسروقًا تقادم عهدُه
31- وإذا الكلامُ انجرَّ في أوصافه
32- ونهايةُ الأقوالِ: رتبتُه غدَتْ
33- ثم الصلاة مع السلام على النبيِّ
34- وصحابه والتابعين وأوليـــا
35- والسالكين طريقَهم والزائريـ
36- أو ما حَلَتْ هذي القصيدُ بمَن به
37- أو ما غدا القصبيُّ وهو محمدٌ
38- أو قال يضبط ما جرى أرِّخْ «فقــد
                                    184

 1- والسعدُ وافَى والعُلا والسُّؤددُ
2- والسيدُ البدويُّ فينـــا مُنجِدُ[17]
3- هذي الكراماتُ التي لا تُجْحَدُ[18]
4- ـلُّ الأوليـــاءِ بفضــــــله تتزودُ
5- أوصـــافه تَحيَى القلوبُ وتَسعَدُ
6- والناسُ فيه سرورُهم متزايدُ
7- ظهرَتْ تقوم لها العقولُ وتقعدُ[19]
8- بالجد[20] فيه تحالفوا وتعاهدوا
9- وتفرقوا في الشغل نارًا تُوقَدُ
10- أمم اليهود بحالةٍ لا تُعهَدُ
11- لم يشتغل بسوى الذي هو قاصدُ[21]
12- لحقيرهم لا يعتريه تقاعُدُ[22]
13- تعبًا وڪلٌّ هـــائمٌ متواجدُ
14- هذا الشقاءُ هو النعيم الخالد
15- ونهارِهم حتى انتهى ما يُقصَدُ
16- تم المقامُ الأحمديُّ الأمجدُ[23]
17- فيه فحمـــدًا دائمًـــا لا ينفَـــدُ
18- ربي، وذا يتـــلو، وذا يتهــــجد[24]
19- فيه قبولٌ فهو هذا المشهدُ[25]
20- حُلَلَ القبولِ عليكَ منه تجَدَّدُ[26]
21- فالخيرُ فيه دائمًـــا مُتوارِدُ
22- برحابه حاشا يُرَدُّ القاصدُ[27]
23- فيه تَجِدْهُ حاضرًا لا يَبْعُــــدُ
24- تُعطَى نصيبَك ڪلمـــا تتردَّدُ[28]
25- تهوَى وترغبُ إن تقُل: يا سيدُ[29]
26- للسيد البدوي فيهـــا مَشهَدُ
27- ونجـــا الغريقُ بقوله: يا سيدُ
28- كم في تفاريج الهموم له يدُ
29- ومشى أمامهمُ إلى أن يهتدوا
30- وشفا مريضًا طِبُّه لا يوجد
31- ضاقت دفاترُنا وكَلَّ المُنشِدُ[30]
32- تحتَ النبوة لم يَصِلْها عابدُ
33- وآله مهما أضـــاء الفرقدُ
34- بحقيقة الشرع الشريف تقلَّدوا
35- ـن ضريحَهم ما تم منها مقصدُ
36- شرُفَتْ وتم لها النظامُ الأنضدُ
37- نجلُ الإمام بجاهه يستنجدُ[31]
38- تــمَّ المقــامُ الأحمديُّ المُفرَدُ»[32]
440   212      94        355

= 1285 هجرية


[1]    () "مرآة العصر، في تاريخ ورسوم أكابر الرجال بمصر" للمؤرخ إلياس زخوره (ص: 452)، طبع بالمطبعة العمومية بمصر سنة 1897م.

[2]    () انظر: "جمهرة أعلام الأزهر الشريف في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين" للدكتور أسامة الأزهري (2/227-228)، طبع مكتبة الإسكندرية، 1440هـ، 2019م.

[3]    () المرجع السابق.

[4]    () المرجع السابق (ص: 227-228)، نقلا عن "جريدة الإسلام"، عدد 9، السنة الأولى (ص: 207)، الصادر بتاريخ غرة شهر جمادى الأولى 1312هـ، الموافق 30 أكتوبر 1894م.

[5]    () "الأبِيّـــات": جمع مؤنث سالم لكلمة "أَبِيّ"؛ أي: أنّ أبياتك أبِيّة (مستعصية) على المحاكاة من فصاحتها وبلاغتها.

[6]    () "العقد الذهبي" (ص: 4).

[7]    () الورقة الأخيرة من "المجموع الظريف الحاوي غرائب الأطاريف" (ق: 49)، مخطوط في المكتبة الأزهرية برقم (7205).

[8]    () "العقد الذهبي" (ص: 23).

[9]    () حساب الجُمَّل: طريقة لحساب الأرقام والتواريخ باستخدام الحروف الأبجدية، ولكل حرف رقم يدل عليه، فيُتوصَّل من جمع الحروف المعينة في كلمة معينة إلى ما تعنيه من تاريخ مقصود، أو يُتَوصَّل من حروف الكلمات المعيَّنة إلى قيمتها العددية.

[10]   () "الخطط التوفيقية" (13/45)، المطبعة الأميرية.

[11]   () انظر في جهود الأسرة العلوية في تجديد الجامع الأحمدي: كتاب "حياة السيد البدوي: بحث في التاريخ والتصوف الإسلامي" (ص: 120-122)، للأستاذ إبراهيم أحمد نور الدين، الطبعة الأولى 1367هـ - 1948م، المطبعة اليوسفية بطنطا.

[12]   () "عصر محمد علي" للعلامة عبد الرحمن الرافعي (ص: 465)، دار المعارف، الطبعة الخامسة.

[13]   () "الخطط التوفيقية" (13/46)، المطبعة الأميرية.

[14]   () المرجع السابق.

[15]   () المرجع السابق.

[16]   () أرسل إليّ صورتَه أخي الدكتور عبد الرحمن حسن حفظه الله، مشكورًا مأجورًا.

[17]   () في (خ) بدل البيتين الأول والثاني: بيت واحد، هو: ما ساءنا هذا الزمانُ الأنڪَدُ .. والسيد البدوي فينا منجدُ

[18]   () في (خ): لا توجدُ، بدلا من: لا تجحدُ.

[19]   () هذا البيت ليس في (خ).

[20]   () في (خ): بالجار.

[21]   () هذا البيت والذي قبله ليسا في (خ).

[22]   () لفظ هذا البيت في (خ): وغدا العظيم مع الحقير مساويًا .. في الشغل لم يلوُوا ولم يتقاعدوا

[23]   () هذا البيت ليس في (ط).

[24]   () هذا البيت ليس في (ط).

[25]   () هذا البيت ليس في (خ).

[26]   () التاء في الفعل "تجدَّدُ" يصح ضمُّها: على أنه فعل مبني للمجهول، ويصحُّ فتحُها: على أن أصلها "تتجدد" وحُذفَت إحدى التاءين تخفيفًا.

[27]   () هذا البيت ليس في (خ).

[28]   () هذا البيت ليس في (ط).

[29]   () هذا البيت ليس في (خ).

[30]   () الشطر الأول في (ط): وإذا أرَدْنا حصرَ كل صفاته، بدلا من: وإذا الكلام انجرَّ في أوصافه.

[31]   () هذا البيت والأبيات الثلاثة قبله ليست في (خ).

[32]   () الشطر الأول في (خ): أو ما حدا حادٍ يؤرخُه فقد، وبعد هذا البيت في (خ): لمحمد القصبي نجلِ محمدٍ .. أعني الإمامَ نشيدُها والمنشدُ