
أثر الكهرومغناطيسية على روحانية الإنسان (7)
خالد محمد غزبسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله على حضرته وآله وسلم.
تحدثنا في المقالات السابقة عن مدى وكم الزيادة التي نشأت في حياتنا اليومية من كثافة الموجات الكهرومغناطيسية كنتيجة مباشرة لانتشار استخدام الأجهزة والمعدات وأنظمة البث والكهرباء وغير ذلك الكثير مما أثر بالسلب على الصحة العامة للإنسان وبالتالي أثر على روحانيته وصفاءه النفسي.
واليوم نبدأ في التعرف على الكيفية والآلية التي تؤثر بها الكهرومغناطيسية على روحانية الإنسان ومظاهر ذلك التأثير.
وللوصول إلى ذلك كان ولابد لنا أن نتعرف أولاً على طبيعة تلك الطاقة وأنواعها المتعددة، ولنبدأ أولاً في الحديث عن تاريخ اكتشاف هذه الموجات ورصد آثارها.
اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية:
في عام1820لاحظ العالم اورستدOrestedأنه إذا مر تيار في سلك فإنه ينشأ عنه تأثير مغناطيسي تمثل في انحراف إبرة مغناطيسية موضوعة بجوار السلك وقد ربط اكتشاف اورستد العلاقة بين علم الكهربية وعلم المغناطيسية.

طبيعة الأشعة الكهرومغناطيسية:
الطيف أو الأشعة أو الموجات الكهرومغناطيسية كلها تحمل نفس المعني الفيزيائي،ومن المعلوم أن الضوء المرئي والمايكروويف وأشعة إكس وأشعة جاما وموجات التلفزيون والراديو كلها عبارة عن أشعة تُعرَف باسم الأشعة الكهرومغناطيسيةElectromagnetic Radiationولها نفس الخصائص ولكنها تختلف في الطول الموجي والتردد، وكلما زاد الطول الموجي قل التردد والعكس صحيح.
وتتكون المجالات الكهرومغناطيسية من مجال كهربي ومجال مغناطيسي متعامدين على بعضهما ذات تذبذب معين وعادة ما توصف هذه المجالات بالمقدار والاتجاه.

تفاعل الموجات الكهرومغناطيسية مع الخلايا:
تتفاعل هذه المجالات بشكل مباشر مع الأنظمة البيولوجية مثل خلايا الإنسان والحيوانات والنباتات.

ولكي نفهم تلك التفاعلات بشكل أفضل، فلابد من أن نتعرف على الخواص الفيزيائية للموجات التي تشكل لنا الطيف الكهرومغناطيسي.
الخصائص الفيزيائية للأشعة الكهرومغناطيسية:
الأشعة الكهرومغناطيسية هي موجات تنطلق بسرعة300ألف كيلومتر في الثانية وتحمل طاقة يطلق عليها الفوتونات، وتتكون هذه الأشعة من مجالين ينتشران في اتجاهين متعامدين هما المجال الكهربائي والمجال المغناطيسي وينطلق الفوتون في الاتجاه المتعامد على الاتجاهين ويمكن أن نصف الموجات الكهرومغناطيسية بواسطة طول الموجة أو التردد أو الطاقة.
وترتبط هذه العوامل الثلاثة بعلاقات فيما بينها، ويلعب كل منها دوراً معيناً في تأثير المجال الكهرومغناطيسي على النظام البيولوجي1.

ومعنى هذا أن الإنسان يُؤثِّر ويتأثَّر بالأمواج الكهرومغناطيسية سواء الصادرة منه على ما حوله أو تلك المنبعثة من البيئة المحيطة به عليه وهذه التأثيرات ذات أنماط مختلفة سواء أدركناها أم لم ندركها.
الإنسان طاقة وتحيط به طاقة:
وكما هو معروف فإن الجسم البشري يتكون من ترليونات الخلايا، والتي تكون لاحقاً أنسجة الجسم المختلفة والدم، هذه الخلايا تعمل بشكل دقيق ومحكم، ويعتمد نشاط هذه الخلايا أو خمولها على الطاقة الكهرومغناطيسية، حيث أن كل خلية من خلايا الجسم هي عبارة عن مولد كهرومغناطيسي صغير، فنجد أن الجسم يعتمد عليها فيقوم المخ بإرسال نبضات من الطاقة الكهرومغناطيسية عن طريق الجهاز العصبي للخلايا حتى تقوم بأداء وظائفها على حسب حاجة الجسم وهذه العمليات البيولوجية المعقدة التي تتم بسرعة متناهية تساعد الجسم على معالجة نفسه بنفسه دون أن يصل إلى مرحلة المرض، حيث أن شحنات الجسم تكون في حالة تعادل، وهذا النوع من الاتزان البيولوجي الداخلي يطلق عليه اسم"المغناطيس الحيوي".

وقد أثبتت آخر الأبحاث الطبية بأن تعريض الجسم للمجالات المغناطيسية يمكن أن يؤثر على كل خلية من خلايا الجسم بسبب مقدرتها العالية على النفاذ إلى داخله وهذا ما يفسر التأثير الملحوظ للمجالات المغناطيسية في معالجة الجروح، فقد ثبت أنها تُقلِّلُ من تَلَيُّف الجروح المختلفة المنشأ.
كما ثبت أيضاً بأن التعرض للمجالات المغناطيسية يُقلِّل من الإحساس بآلام حالات مرضية معينة مثل آلام الأسنان، وتصلبات المفاصل وآلامها، بالإضافة إلى المساعدة في علاج حالات الإكزيما والربو، ولوحظ بأن قوة المجال المغناطيسي تتناسب طردياً مع نوع العمليات الحيوية التي تتم في داخل الخلايا ونوع الأنسجة التي تتعرض للمجالات المغناطيسية.
ومما لا شك فيه أن علوم المغناطيس سوف تسهم إسهامات فاعلة في إيجاد حلول ناجحة للكثير من المشاكل الصحية والبيئية التي تعاني منها البشرية، وذلك لأن هذه العلوم تقوم على أساس العلاقة العميقة التي تربط الإنسان بالطبيعة.
ولقد أثبتت التجارب التي أجريت في اليابان في الخمسينيات من القرن الماضي بأن وجود الإنسان لفترات طويلة بمعزل عن التأثير المباشر للقوى المغناطيسية الطبيعية يؤدي إلى حدوث خلل في الاتزان البيولوجي للجسم البشري والمتمثل في فقدان الحيوية والنشاط، وآلام وأوجاع متفرقة في أنحاء الجسم، بالإضافة إلى صداع متقطع.
ويرى العديد من العلماء بأن توظيف علوم المغناطيس في الحالات الصحية والطبية المختلفة سوف يكون له قصب السبق في المستقبل المنظور، لأنه مستوحى من الطبيعة البكر، وهو ما يطلق عليه الآن اسم"صديق البيئة"، التي ليست له أي أعراض جانبية بالمقارنة بالأدوية الكيميائية والمواد الصناعية السامة التي نستخدمها بصورة يومية.
وسوف نبين في الباب التالي الطبيعة المزدوجة المتدخلة في تكوين الإنسان بين الروح والجسد وأثر كل منهما في الآخر لتكون منطلقاً للدلالة على إمكانية تأثر روحانية الإنسان بكافة المتغيرات التي استحدثت في حياته وأثرت على بدنه كما سبق وذكرنا.
الروحانية تتأثر بما يقع على البدن:
قد يسأل سائل ويقول ما طبيعة تلك العلاقة التي قد تكون بين روحانية الإنسان وهي من عالم الغيب وبين الانبعاثات الكهرومغناطيسية الصادرة عن المعدات والأجهزة أو عن الخلل الحادث في المغناطيسية الكونية بشكل عام وما دخل الغذاء أيضاً وكل ذلك من عالم المادة؟ وكيف يؤثر كل ذلك على روحانيته؟
الإنسان روح وجسد يتكاملان ولا يفترقان:
ونرد فنقول أن الإنسان روح وجسد ولا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر أو يعمل بشكل منعزل عنه فلو تلف الجسد لتأثرت الروح، وأن أي انتهاك أو أذى يقع على الجسد يؤثر بشكل أو بآخر على الروح بدرجات متفاوتة وصولاً إلى أن تترك الروح الجسد وتغادره بالوفاة في نهاية الأمر إذا ما حدث إتلاف كبير للبدن مثل القتل بحديدة أو غير ذلك من وسائل إتلاف البدن، يقول رسول الله ﷺ:
"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"1
والروح هي أساس عمل الجسد وسبب بقائه وحركته وحياته وبدونها لا معنى للجسد ولا حياة فكيف لا يتأثر كل منهما بالآخر صحة أو مرضاً، صفواً أو كدراً؟ سنرد على ذلك ونأتي بأدلته المتعددة فيما سيأتي من سطور.
رأي أحد كبار العلماء والأولياء في ذلك:
أورد شيخ شيخنا د.حسن عباس زكي رحمه الله في كتابه"مشاهدات في عالم الملك والملكوت"ما يوضح لنا أن الإنسان روح وجسد ولا يمكن الفصل بينهما فيقول:
"إن الإنسان يعيش في عالمين في وقت واحد، عالم مادي منظور تحكمه الأبعاد الثلاثة والماديات الملموسة وعالم روحي غير منظور تحكمه ما وراء الطبيعة أي أن الإنسان يعيش عالمَيْ الغيب والشهادة أو عالمَيْ الملك والملكوت في آن واحد".
ولا بد لنا أن نعلم بأنه لا يمكن التعاطي مع الإنسان من جانبه الروحي فقط أو الجسدي فقط بمعزل لأحدهما عن الآخر لأن كلاً منهما ضروري ومهم للآخر للوصول إلى حالة من الاتزان الروحي للإنسان.
مشاعر الإنسان هي نوع من الطاقة:
ومن هذا المنطلق كان ولابد أن نفهم طبيعة الإنسان فهماً حقيقياً وأن نستكشف الجانب الروحاني لديه وطبيعة خلقته حتى نصل إلى علاج للاختلال الذي حدث في روحانيته وهذا ما أشار إليه فضيلة د.حسن عباس زكي في ذات الكتاب بقوله:
"فالإنسان ليس مادة فقط ولا روح فإذا نظرنا إلى المادة نجد أنها أصبحت في العلم الحديث أمواج والكون كله مكون من أمواج أي طاقات فإذا تكثفت الطاقة أصبحت مادة وكل منها يتحول للآخر، وإذا نظرنا إلى الروح نجد أن مشاعر الإنسان هي كذلك أمواج أي طاقات ممكن أن تتحول إلى مادة فالحسد والبغض والخوف إذا اعتادها الإنسان تحدث تغيرات عضوية وأمراضاً حقيقية والهموم تضر الصحة والقلق من أكبر أسباب الانفعالات ويؤدي إلى تغيرات مثيرة في أنسجة وأمزجة الجسم وفي عدد كرات الدم البيضاء".

1رواه مسلم وأحمد
1الموجات الكهرومغناطيسية وتأثيرها على صحة الإنسان د.عمر عذاب كلية هندسة جامعة بغداد