
تأملات في مولد سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وسلم
د. يسري رشدي جبرالحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والـمجد، أحق ما قاله العبد، وكلـنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيـت ولا معطي لما منعت ولا راد لما قضيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا مـحمدا رسول الله، سيد الـمرسلين، وخاتـم النبيين، وإمام الـمتقين، وقائد الغر الـمحجلين، أحمد الأحدية، مـحمد الواحدية، أحمد الباطن، محمد الظاهر، أحمد القاهر، محمد الرحيم الذي رحمته وسعت كل شيء، ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين))، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله فـي كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله، وارض اللهم عن سادتنا أبـي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سيدنا الحسن، وسيدنا الحسين، وأمهما فاطمة الزهراء، وسائر ذريتها أجمعين إلى يوم الدين، وارض اللهم عن ساداتنا الصحابة أجـمعين وعن التابعين وتابعي التابعين لـهـم بـإحسان إلـى يوم الدين، وارض اللهم عنا معهم يا رب العالمين، ولا تفتنا بعدهم، ولا تـحرمنا أجرهم، واغفر لنا ولـهم، يقبل علينا شهر ربيع الأنور، وقد ولد سيدنا وسندنا صلى الله عليه وآله وسلم فـي هذا الشهر (( ربيع النبوي، ربيع الأول، ربيع الأنور، ربيع الزمان وكل زمان )).
وإذا نظرت نظرة المحب المتأمل إلى سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، تـجد أن كل ما تعلق به شريف، فالزمان الذي ولد فيه هو أشرف زمان، والقرن الذي ظهر فيه هو أفضل القرون، والبلدة التـي ظهر فيها هي أفضل البلاد، وكذلك القرآن الذي نزل عليه هو أفضل كتاب، وأمته هي خير أمة أخرجت للناس، فكل ما أحاط بـهذا النبي شريف؛ لكمال شرفه، فكل ما أحاط به استمد شرفه منه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو استمد شرفه من الله، إذ كان غناه بالله، فلم يتشرف إلا بربه، وسائر الأكوان تشرفت به صلى الله عليه وآله وسلم.
ونبدأ بالعام الذي ولد فيه، هو عام الفيل، وهو من الأعوام القلائل التـي لا ينساها البشر، صد الله به جيش أبرهة عن الكعبة بالطير الأبابيل، ليحفظ الكعبة والبيت؛ حتى يولد هذا النبي، تـمهيدا لولادته، وليبعث الهيبة والوقار لـهذا البيت فـي نفوس كل الـمحيطين به، بشهرة هذا اليوم الذي حمى الله فيه البيت مباشرة بغير فعل بشر؛ حتى يولد فـي زمان يوقر فيه هذا البيت، الذي يصير بعد ذلك قبلة لـهذا النبـي فـي صلاته، وفـي دعائه، ومـحلا للعبادة العظيمة التـي انبنـى عليها ركن من أركان الإسلام، وهي حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، ولد صلى الله عليه وآله وسلم بعد خمسة وخمسين يوما من حادثة الفيل فـي عام الفيل، وهو أشرف عام يـمر على مكة، حيث إن الله أظهر قدسية هذا البيت للعالمين.
أما الشهر، فقد ولد صلى الله عليه وآله وسلم فـي شهر ربيع، وانظر إلى الربيع وما معناه؟ الربيع هو الـخصوبة، والنماء، والحياة، واعتدال الـمزاج، واعتدال الأحوال؛ فجاء صلى الله عليه وآله وسلم بذلك كله، انظر إلى اختيار الزمان له صلى الله عليه وآله وسلم، فإن الزمان لا قيمة له إلا بـما حدث فيه من أحداث.
ثم يولد صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الاثنين، يوم عجيب ليس هو أفضل أيام الأسبوع، فأفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة، استمد شرفه للأحداث العظيمة التي حدثت فيه، قال عنه صلى الله عليه وآله وسلم يوم خلق فيه آدم، ويوم أخرج فيه من الجنة، ويوم تقوم فيه الساعة، فكان هذا اليوم من الأيام العظيمة عند الله، ولكن لماذا لم يـخلق النبي ويظهر يوم الجمعة، واختار الله له يوم الاثنين؟
أولا: ليشرف به يوم لم يكن له شرف معلوم، حتى لا يكون شرفه لزمان سابق الشرف، بل حتى يلحق الشرف بالزمان الذي يظهر هو صلى الله عليه وآله وسلم فيه، وليس هو صلى الله عليه وآله وسلم الذي يلحق بالزمان الشريف، بل الزمان يشرف بلحوقه به، هذا معنى.
ثانيا: أن يوم الاثنين هو اليوم الذي بعد الأحد، حيث كان الله ولم يكن شيئا معه، فلما أراد أن يـخلق الخلق، خلق نورا وذاتا لها خصائص يـخلق بـها ما شاء، وهي تـخلق منه مباشرة بغير واسطة، الرحمة للعالمين، فكان الله ولم يكن شيئا معه في سابق الأزل، فكان أحد، فلما أراد أن يـخلق الـخلق، خلق هذه الرحمة للعالمين، فصار اثنان، واحد مخلوق، وواحد خالق، فأراد الله أن يشير إلى هذه الحالة بأن يظهر صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين بعد الأحد؛ لبيان ما خبأه في قديم الزمان، حيث إنه هو أول مـخلوق خلقه الله بعد الأحد، فكان اثنين خالق ومخلوق، هذه إشارة، ثم إن يوم الاثنين يوم عجيب، يوم تعرض فيه الأعمال على الله، وعند عرض الأعمال لتقبل تحتاج الشفاعة، وهو أول شافع، وأول مشفع، فكانت هذه المناسبات العجيبة تجعل ليوم الاثنين شأنا، و لكن هذا الشأن يـجهله الناس، فأراد الله أن يشير إليه بأن يولد هذا النبي إما قبل فجر هذا اليوم، أو بعد طلوع فجر هذا اليوم، على خلاف مشهور بين الناس، ويبدو أن الطلق بدأها قبل الفجر، وظهرت الذات المحمدية اللطيفة الأحدية في الصورة الجسدية بعد طلوع فجر يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول في عام الفيل، وقيل الثامن من شهر ربيع الأول على خلاف بين المؤرخين، حيث إنه ظهر وولد في أمة أمية، لا تقرأ، ولا تكتب، ولا تعرف الحساب؛ فكان يحدث هذا الخلاف، فظهوره صلى الله عليه وآله وسلم في يوم شريف ينبه عنه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عندما سئل عن صيام يوم الاثنين، قال (يوم ولدت فيه)، إذا شرف هذا اليوم بالولادة، (ويوم بعثت فيه) أي بدأت نبوته الظاهرة أيضا يوم الاثنين، والعجيب أنه بدأ هجرته يوم الاثنين، ووصل المدينة يوم الاثنين، وقبض أيضا يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، وكأن ولادته وقبضه ليسا انتقاصا، بل قبضه انتقال لحياة أرحب، ومرحلة أوسع، إذ فـي كل لحظة هو في خير ((وللآخرة خير لك من الأولىٰ))، فلا نقول أن يوم وفاته يوم حزن، ويوم ولادته يوم سرور، بل منذ أن عرفت الأكوان هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي في سرور، حيث إنه اختار الرفيق الأعلى، لأنه لو استمر وقد خير في أجله الشريف صلى الله عليه وآله وسلم أن يبقى مدة الدنيا، والله أعطى ذلك لمن هو أخس خلقه إبليس، فطول العمر ليس خصيصة مكرمة فقد أخذها إبليس، ولكن الله سبحانه وتعالى خيره، أن يظل مع أمته بشخصه الكريم، أو أن يلحق بالرفيق الأعلى.
واختلف العلماء ما هو الرفيق الأعلى؟ هل هو الله؟ أم هو المقام الأعلى؟ أم المقام الأصلي الذي كان فيه، فوق وراء الوراء، وفوق سدرة المنتهى؟ أم هو مقام قاب قوسين أو أدنى، أو هو نوع من الملائكة؟ وأنا أرى والله أعلم أن مقام الرفيق الأعلى هو مقام الرحمة للعالمين قبل ظهور العوالم، حيث كان صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن تكون العوالم، في مقام الـمكافحة، الذي يكلمه الله ويرى ربه بغير واسطة، حيث لو تقدم جبريل لاحترق، وتقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم واخترق، في مقام لا يحتاج فيه لدليل، إذ هو مقامه وبيته ومستقره ومستودعه، احتاج دليلا في السماوات، واحتاج دليلا في الأرض، وعندما وصل إلى ما وراء الوراء، لم يحتج لدليل، إذ هو دليل كل دليل صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا هو الرفيق الأعلى؛ لأن النبي لو استمر حيا بيننا، لصعب على الأمة أن تنتشر، الكل يريد أن يتقوقع حوله، فيحدث حرج شديد على الأمة، وأمته أمة كثيرة، لن يروق لك مقام في الشام والنبي في المدينة، ولن يروق لك مقام في العراق والنبي في المدينة، ولن يروق لك مقام في مصر والنبي في المدينة؛ لن يروق لك مقام في أي مكان والنبي حي في المدينة يصلي بالناس ويتكلم، فلا تستقر حياة أمته بسبب تعلق أمته به صلى الله عليه وآله وسلم، فأراد النبـي أن يعود روحا تحل في سائر الأماكن، وفي سائر الأزمان، حيث إنك حيثما عبدت الله كان رسول الله فيك ومعك، روحانيا لا جسديا، فيروق للمسلم أي أرض يعيش فيها، ((واعلموا أن فيكم رسول الله ۚ))، فحيثما صليت أيها المسلم في أي مكان تقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، بكاف الخطاب؛ لأنه موجود في كل مكان، وفي كل زمان، موجود بإمداد روحانيته، إذ لولا إمداد روحانيته للأزمنة ما كانت، وللأمكنة ما ظهرت، وللأجساد ما تـحركت ولا سكنت؛ لأنه الرحمة للعالمين، التي أخرج الله بـها العوالم من العدم للوجود، وأمد العوالـم بـها بأسباب بقائها ووجودها وصلاحها، ثم أمد أهل التوفيق بأسباب الهداية من خلالها أيضا ((وإنك لتهدي إلىٰ صراط مستقيم))، إذا اختياره للرفيق الأعلى كان رحمة لأمته وشفقة عليهم، وتعميرا للأرض حتى لا تتكدس الأمة في مكان واحد حوله فلا ينطلقون لعمارة الأرض حيث شاءوا، ولا ينطلقون لتبليغ دعوته حيث شاء الله، ثم إنه أيضا لو استمر حيا بيننا لاستمر الشرع إلى ما لا نـهاية؛ لأنه لو استمر حيا بيننا فسيتكلم كل يوم، وكلامه تشريع، وسيتحرك كل يوم، وحركته تشريع، وسيـقر أشياء ولا يقر أشياء، وهذا كله تشريع، فتظل الأحكام الإسلامية لا حصر لها ويصعب على الناس تنفيذها؛ لاستمرار التشريع باستمرار حياته، فرفع الحرج صلى الله عليه وآله وسلم، انظر كيف أن اختيارات النبي كلها توفيق، هناك بعض أهل التسرع يقول يا ليته اختار أن يبقى معنا حتى لا يحدث ما يحدث لنا، والله لو بقي لا يمنع بقاؤه قدر الله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولكن لو بقي لتعنتت الأمة وصعب عليها تنفيذ الأحكام، لتجدد الأوامر والأحكام، ومن ثم أراد أن يكون الأوامر محصورة؛ حتى تستطيع الأمة أن تنفذها، وتقوم بها وتؤدي ما عليها فتبرأ ذمتها تجاه مولاها، أما لو كان حيا، لا تستطيع أن تبرأ ذمتك أمام مولاك حتى تطلع يوميا ماذا قال النبي اليوم، وماذا قال بالأمس حتى لا تكون مـخالفا لأمر قد استحدثه أو قاله وأنت لا تدري، فانظر إلى العنت الذي كان قد يحدث لو ظل النبي حيا بيننا، أريدك أن تتعلم كيف أن كل اختيارات النبي كانت هي عين الحكمة، فهو عين الحكمة صلى الله عليه وآله وسلم، خيره الله في أمور كثيرة، خيره حتى في رزقه صلى الله عليه وآله وسلم، فأتاه آت وهو في بداية الدعوة وفي بداية ظهور نبوته للناس، وإن نبوته كانت قبل أن يـخلق آدم ولكن هذا في عالم البطون، أما في عالم الظهور، فبمجرد أن بلغ الأربعين أظهر الله نبوته، لأنه كان نبيا قبل ظهور نبوته، كما أنك كنت موجودا قبل ظهور بشريتك أيها الإنسان، كنت موجودا بروحانيتك قبل ظهور بشريتك، هذا في كل البشر، وهو أول البشر صلى الله عليه وآله وسلم، فكان موجودا قبل ظهور شخصه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وكان نبيا قبل ذلك، ولكن عندما بدأت ظهور نبوته في مكة بعد سن الأربعين وكان قليل المال صلى الله عليه وآله وسلم لأن غناه لم يكن بالمال، ولكن غناه كان بربه، لم يكن غناه بالذهب، فمن كان غناه بالذهب ذهب، ومن كان غناه بالفضة انفض، ومن كان غناه بالله فلا يذهب ولا ينفض، فكان صلى الله عليه وآله وسلم أغنى الخلق بالله، ولكن لـما احتاجت الدعوة أموالا، لتجهيز الجيوش، وللإنفاق في سبيل الله، ولـما كان النبي يأتيه الفقراء من كل جانب من نواحي الجزيرة، الكل يريد أن يأخذ منه ما يكفيه، فعرض الله عليه عرضا عجيبا، لم يعرضه على مخلوق قبله، جاءه آت وهو في مكة وعرض عليه أن يجعل الله له بطحاء مكة وجبالها ذهبا، وفي يد غيره تراب، انظر لو كنت أنت مكانه، تقول أنا اختار ذلك وأستعمل هذا الذهب في سبيل الله، ولكن النبي اختار غير ذلك، فالنبي بعث للفقير وللغني، فلو اختار الذهب لكانت بعثته للغني دون الفقير، فالفقير لا يكون له فيه أسوة، فينكسر خاطر الفقير، ثم بعد ذلك تزداد مسئولية الأغنياء؛ لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا في مثل مسارعة النبي في النفقة وفي الصدقات وفي حسن استعمال النبي للمال، فمهما كان الغني غنيا حكيما لن يـجاري النبي في ذلك، فيعجز الغني في متابعته، ويفقد الفقير الأسوة فيه لو اختار أن يكون له ذلك الذي خيره الله فيه، ولكن النبي لأنه رحمة للعالمين قال لا يا ربي آكل يوما فأشكر، وأجوع يوما فأصبر، أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون أسوة للعالمين، للواجد وللفاقد، للغني وللفقير، فلما كان كذلك صلى الله عليه وآله وسلم، أعطاه في الباطن مفاتح خزائن الأرض، فصار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه بإسناده إليه قال "بينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض"، فأخذ مفاتح خزائن الأرض، والأرض ((تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ۗ))، كأن النبي يعطي أمته وسائر الخلق خيرات الأرزاق من يده الشريفة، يد روحانيته عند غياب بشريته صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا قال: "إنما أنا قاسم والله يعطي"، فصار هو الذي يعول الأكوان ((ووجدك عائلا فأغنىٰ))، أي وجدك تحب أن تعول الفقراء وألا ترد مسكينا وألا ترد سائلا، وأن تقوم بأعباء كل فقير، فأغناك حتى تغنـي الأكوان، ليس الفقير فقط، بل حتى العرش والكرسي يستمد بقاءه من روحانيتك، والجنة والنار يستمدان بقاءهما، ونعيمها، وجحيمها، من روحانيتك، الكل يستمد في عالم الـملك وفي عالم الملكوت، فصار هو اليد العليا للأكوان التي هي خير من اليد السفلى؛ لاختياره مراد مولاه، لأنه لا يريد أن يكون مفتقرا لغير الله، لأنه لو اختار الذهب لكان مفتقرا للذهب، لأن الإنسان لا يغتني بالشيء، بل الإنسان إذا اغتنى، اغتنى عن الشيء لا بالشيء، ولذا يقول الإمام الشافعي (الغنى عن الشيء لا به)، لأنك إذا أعطيت الفقير مالا، ثم قال لك والله أنا لا أحتاج، أنت تقول: إنه استغنى، عرضت عليه المال فاستغنى، أما لو قبله افتقر لأنه مد يده وتكفف الناس، فالنبي أراد أن يبين لك معنى الغنى الحقيقي، فالغنى ليس بالشيء، وإنما الغنى عن الشيء، ولذا كان الإمام الشافعي رضي الله عنه ورحمه ونفعنا بعلومه في الدارين آمين يقول تعقيبا على هذه المعاني كلها شعرا:
علمت القناعة رأس الغنى فصـرت بأذيالهــا مـمتسك
فــلا ذا يراني على بابـــه ولا ذا يراني بـــه منهمــك
فصـرت غنيا بــلا درهـم أمر على الناس شبه الـملك
فهذا هو الغنى الحقيقي، فاختار النبي أن تكون الأمور على مراد الله، فيظل الرمل كما هو، والحجر كما هو، والجبل كما هو، واختار مراد الله؛ لكمال علمه بالله، فلم يرد أن يتميز على سائر الخلق، بل إرادته هي إرادة مولاه، فليست إرادتان إرادة مولى وإرادة ولي، أو إرادة خالق وإرادة مخلوق، فإن الله جعل إرادته في إرادة نبيه، وإرادة نبيه في إرادته، فالإرادة واحدة والمظهر يتعدد، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله.