
تقصيرنا في الأوراد
خديجة أحمد تيسيراختصّ الله المرأةَ وشرّفها وكرّمها بأن جعلها الطرفَ الذي يحمل ويلد ويربّي فكانت بذلك مركزَ الحنان والأمان، شغلَت ليلها ونهارها بالتربية والسهر وفتحت قلبها وعينيها للمراقبة والمتابعة
وكلّ أنثى أمّ سواء أنجبت أم لم يقدّر لها ذلك فلقد خلق الله فيها بحاراً ومحيطاتٍ من العطاء لا سواحل لها ولا حدود فدورها قائمٌ على كل حال وعطاؤها فيّاض لا محالة.
ثم تجدها وهي في ذروة انشغالها بذلك الدور الكريم تنظر إلى ما تيسّر أداؤه عند الرجال من حضور مجالس العلم وحلق الذكر وزيارات الأولياء والصالحين في شتى البقاع، فتتحسّر وتحزن أن قد حُرمت من ذلك لظروفها ومسؤولياتها القائمة عليها وأحيانا لحالتها الصحية بل وقد تذرف الدموع ندماً وتشعر أنها دون أولئك الرجال منزلة
ومن تلك الظروف التي قد يزيد الضغط فيها على المرأة : ما اختصّه الله من الأزمنة فجعل فيه الخير والبركة كشهر رمضان الكريم الذي يحرص الجميع على اغتنام كل لحظة منه في شتّى أنواع العبادات ما بين ذكر وصلاة وقراءة للقرآن وغير ذلك من وجوه الطاعات، وتنظر المرأة إلى نفسها فتجد الساعات تضيع هدرا – كما تظن – ما بين إعداد الطعام وتجهيزه ثم ما يعقب ذلك من ترتيب وتنظيف وغيره، فتجد نفسها خرجت من اليوم بالقليل من العبادة إن أنت قارنتها بتلك التي يؤديها الرجل وتبدأ الأوهام تدور في البال فتتعبَه
ولكن لا غرابة إن هي توهّمت تقصيرها وانفراد الرجال بالثواب والأجر فهذا التوهّم ليس أمراً مختصّا بنا نساءَ هذا الزمان بل سبقتنا إلى ذلك السيدة أسماء بنت زيد الملقبة بسفيرة النساء حيث دخلت على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مجلسه وقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجُمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز، والحج بعد الحج وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإن الرجل إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً، حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم، أفما نشارككم في هذا الأجر الخير؟
فكان أن التفت النبي إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: "هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مُساءلتها في أمر دينها؟"
ثم أجابها سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم - وأجابنا جميعاً - بقوله:
"يا أسماء افهمي عني وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعّل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله" فانصرفت المرأة وهي تهلل. تهلّل فرحة مجبورةَ الخاطر، فصلوات الله وسلامه على من جبر بخاطر أسماء ونساء المسلمين أجمعين إلى يوم الدين .
وكم سمعنا شيخنا الجليل نور الدين علي جمعة يردد لنا هذه العبارة مرارا وتكرارا: " نريد أن نعبد الله كما يريد لا كما نريد "
فعندما أراد الله لكِ – أيّتها المرأة - هذا الدور وهيأ لكِ الأسباب لتكوني مسؤولة وعليك واجبات محدّدة معروفة فحذارِ أن تهمليها بحجّة تحصيل النوافل وما اختص به الرجال عنك، فما طلبه الله منك أولى بالالتزام والأداء، والعاقل خصيم نفسه.
وهذا المعنى نجده أيضاً في حكم سيدي ابن عطاء وأخصّ بالذكر الحكمة الثامنة حيث يقول رضي الله عنه:
إذا فَتَحَ لَكَ وِجْهَةً مِنَ التَّعَرُّفِ فَلا تُبْالِ مَعَها إنْ قَلَّ عَمَلُكَ. فإِنّهُ ما فَتَحَها لَكَ إلا وَهُوَ يُريدُ أَنْ يَتَعَرَّفَ إِليْكَ؛ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ التَّعَرُّفَ هُوَ مُوْرِدُهُ عَلَيْكَ والأَعْمالَ أَنْتَ مُهديها إلَيهِ. وَأَينَ ما تُهْديهَ إلَيهَ مِمَّا هُوُ مُوِرُدهُ عَلَيكَ؟
فإذا حصل الاستقرار النفسي وزال التحسّر على ما هو موهوم وغير مطلوب اقتربنا أكثر من الصورة الواقعية
واكتشفنا أنّ تنظيم الوقت تنظيماً صحيحا سيمنحنا - معشر النساء- فُرَصاً من ذهب وسيسمح لنا بتحقيق مالم نكن نتخيل القدرة على تحقيقه! فمن رحمة الله بعباده أنّ الواجبات لا تسير على رتم واحد وأحوالنا متقلّبة وهذه سنّة الله في خلقه - وهذا ما تلاحظه كل سيّدة في نظامها اليومي - حيث تمر علينا بعض الأيام هادئة ساكنة وأخرى مضغوطة مليئة بالواجبات فإن هي استغلت الأولى غنمت وفازت وأصابت خيراً كثيرا
يحضرني هنا سؤال عُرض على فضيلة مولانا من سيدة تشتكي من تقصيرها في أداء وردها من القرآن وذلك لضيق الوقت فأجابها رضي الله عنه:
"يمكن أن تستمعي إليه وتنتقلي من القراءة إلى السمع، فهذا يكفي أيضا"
وهذه الملاحظة من فضيلة مولانا الإمام تقرّبنا إلى الصورة الواقعية اليومية أكثر فأكثر حتى نلاحظ الكثير من المِنح الربّانية لنا في هذا الزمان منها: استثمار الوقت بترشيد استخدام التكنولوجيا، ففي ذروة الانشغال وأداء الواجبات البيتية نستطيع أن نستمع إلى القرآن الكريم والأذكار والأوراد والأحزاب – وهي متوفرة بفضل الله على شبكة الانترنت ونردد مع التسجيل ما حفظناه، كما تيسّر لنا حضور الكثير من المجالس والدروس من خلال البث المباشر عبر الانترنت، وأراها من ألطف طرق استثمار الوقت.
وأستطيع أن ألخّص ما كتبت بجوابٍ لفضيلة مولانا نور الدين علي جمعة على سؤال سيدةٍ اشتكت عدم قدرتها على إتمام الأوراد ليس لتقصير منها بل لانشغالها الشديد مع زوجها وأبنائها فأجابها شيخنا حفظه الله ونفعنا به:
"استمرّي ولا تنقطعي أبداً واعلمي أنّ انشغالك مع أبنائك وزوجك عبادة قد تفوق في ثوابها الذكر والورد".