
مولاي العربي الدرقاوي، مجدد الطريقة الشاذليّة - 1
الشيخ. عبد العزيز معروفإذا أراد المرء أن يكتب عن الكُمَّل من سادتنا يجد أن قلمه قد يتوقف، فكيف يعبر قلم العاجز الفقير عن السادة الأكابر، فهم القوم كل القوم، بيد أن المرء يجد في نفسه استرواحا، لما تضفيه سيرة الأكابر على النفس من صفاء، ورفع للهمة، وتأديب، ومشاهدة لفضل الله وعظيم نعمائه، ولن أقول أنني سأوفي جزءا من حقه في هذه الحلقات، فكما قال القائل:
وعلى تفنن واصفيه بحسنه...يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف.
لكني سأحاول تقريب ترجمته، فاللهم يسر وأعن
اسمه ونسبه وكنيته:
هو:سيدي:محمد العربي بن أحمد بن الحسين، بن علي بن محمد بن يوسف بن أحمد بن الحسن، بن علي بن محمد بن علي بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن سعيد بن إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن يوسف الملقب بأبي درقة، وبهذا اللقب يعرف، الشيخ مولاي العربي، وينتهي نسبه رضي الله عنه إلى سيدي الحسن المثنى بن سيدنا الحسن السبط بن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وسيدتنا فاطمة الزهراء، عليها السلام.
ويكنى بأبي المعالي.
أما عن العائلة الدرقاوية، فقد تكلم عنها سيدي عبد الحفيظ الفاسي في معجم الشيوخ، وذكر أنهم من أشهر البيوتات العريقة في السيادة والحسب والمجد، وجدهم هو الشيخ أبو درقة محمد بن يوسف، وكانت ديارهم الأولى قرب أسفى ، ثم انتقلوا إلى قبيلة شراكة قرب فاس، فنزلوا عين زناتة، ثم انتقلوا إلى قبيلة بني زروال.1وقد انتقلت هذه العائلة الكريمة إلى
مولده ونشأته:
ولد رضي الله عنه بعد الخمسين و المائة و الألف ببني زروال،وقد نشأ رضي الله عنه في عفاف وصيانة، وحياء ومروءة، وكان في وقت صباه مشتغلا بالقراءة والزيارة لا يعرف إلا الأخيار.
قال رضي الله عنه:هممت بمعصية في حال الصبا مع بعض من تتعلق الشهوة به، فخرجت بجسمي قروح كثيرة عند ورود خاطر السوء على قلبي، فاستغفرت الله، فذهب ما بي الحين فضلا من الله ونعمة.
حفظ القرآن في السلكة=الختمة الأولى حفظا متقنا، وكان محبوبا عند جميع من رآه، قال رضي الله عنه:كنت أسلك للطلبة ألواحهم، وكثيرا ما أقبض اللوح بيدي وأقول لصاحبه قبل أن أنظر فيه، هذا اللوح ثقيل فيه كذا وكذا خسارةـ[أي كذا كذا خطأ]، أو خفيف ما فيه إلا كذا وكذا، أو لا شيء فيه، فلا أجد إلا ما أخبرتهم به-إلهاما من الله سبحانه- .
ثم اشتغل بقراءة العلم بفاس بالمدرسة المصباحية مدة صالحة، ثم لقي الشيخ الكبير العارف أبا الحسن علي المعروف بالجمل، وكان قبل أن يلتقيه يكرر زيارة سيدي إدريس رضي الله عنه، وقيل:أنه قرأ بضريحه ستين ختمة في طلب الشيخ المرشد، ولما ختم الختمة المكملة للستين بكى بكاء شديدا إلى أن احمرت عيناه، وخرج من ضريح مولانا إدريس، فمر بالشريف سيدي حميد من حفدة القطب الشهير العارف الكبير مولانا عبد العزيز الدباغ من ابنته، فقال لي:وكان منظورا عنده وعند غيره بالتعظيم: "مالي أراك على هذه الحالة؟"وألح علي، فأخبره بأنه اضطر إلى من يأخذ بيده، فقال له:أنا أدلك عليه إذ لم تشاور أهل الرأي القاصر، والعقل الفاتر، وقد قال الشريشي في رائيته:
ولا تسألن عنه ذي بصيرة....خلي من الأهواء ليس بمغتر.
قال:فقلت له:ومن هو؟ فقال:هو الشيخ الجليل، الشريف الغوث الجامع، والبحر الواسع أبو الحسن سيدي علي بن عبد الرحمن العمراني، الملقب بالجمل عن أهل فاس، وعند ملائكة الرحمن بالجمال، كما أخبره به بعض الأولياء".
وكان لسيدي علي الجمل وصلة عظيمة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رضي الله عنه يتبدل حاله ويقشعر جلده وتحمر عيناه وقت ذكره لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تفكره في حاله.
ولما ذهب إليه سيدي الشيخ العربي ، ودق عليه باب زاويته، وجده يشطب الزاوية[يكنس]فقال له:أيش تريد ؟ قال سيدي العربي:أريد يا سيدي أن تأخذ بيدي لله، ثم ذكر سيدي العربي:أنه قام معه قومة عظيمة، وأخفى عنه حاله، وصار يقول له:من قال لك هذا؟ ومن أخذ بيدي أنا حتى آخذ بيدك؟ وزجرني ونهرني، وكل ذلك اختبار لصدقي، فوليت من عنده، قال فاستخرت الله تلك الليلة أيضا، فصليت الصبح، وقصدته لزاويته أيضا، فوجدته على حاله يشطب[يكنس]الزاوية رضي الله عنه.
ثم كرر له طلبه، السابق أن يأخذ بيده، وهنا فرح سيدي علي الجمل به، وأدخله الزاوية، وسر به، ولقنه الورد ، وأذن له بالتردد عليه، ولبث عيند مدة سنتين، إلى أن استأذن شيخه في الرحيل بأولاده.
ومن مشايخه رضي الله عنه:
1 –الشيخ الأعظم مولاي الطيب بن مولاي محمد بوزّان.
2-الشريف المنيف أبو عبد الله سيدي محمد بن علي بن ريسون الحسني العلمي بجبل العلم بتازورت
3-الولي الكبير سيدي العربي البقال رضي الله عنه ونفعنا به.
وكان مكثرا من زيارة الأولياء لاسيما سيدي عبد السلام بن مشيش، وغيرهم، ومن المعروف أن زيارة الأولياء لها فضل كبير، وشأن عظيم، وسر واضح شهير، إذ هي باب من أبواب الله تعالى,
وفاته رضي الله عنه:
توفي مولانا العربي رضي الله عنه ليلة الثلاثاء، في الثاني والعشرين من صفر سنة تسعة وثلاثين ومائتين وألف، ودفن بزاويته المسماة ببوريح، وغسلته زوجه السيدة الصالحة القانتة مريم بت الشيخ خدة الحسناوي، وصلى عليه الأستاذ المحترم المبجل، ولي الله عز وجل، سيدي أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن من حفدة الشيخ الكبير القطب الواضح الشهير أبي البقاء سيدي عبد الوارث اليصلوتي العثماني
1أفرد الشيخ محمد البشير الفاسي دراسة حول قبيلة بني زروال.