السنة الأولى ربيع الأنور 1443 هـ - أكتوبر 2021 م


د. فتحي حجازي
وما أَرسلناك إِلا رحمة للعالمين
د. فتحي حجازي

 الحمد لله رب العالمين، حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيد فضله، كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، ووافر آلائه، وسابغ نعمائه.

والصلاة والسلام والبركات على سيد السادات والنور الساري في الكائنات، سيدنا محمد، رحمة الله للعالمين، وخاتم النبيين، وشفيعنا يوم العرض على أحكم الحاكمين، وعلى آله الطاهرين، وصحابته المناصرين الأخيار، والتابعين لهم بإحسان ما دام الليل والنهار، جَعَلَنَا الكريم منهم في الأولى والآخرة تحت لواء سيد الأولين والآخرين إلى جنات النعيم، بلا سابقة عذاب ولا هوان يا أكرم الأكرمين... اللهم آمين ... وبعد.

فإن الله -سبحانه-خلق الإنسان من طين، وسواه وغطاه بنعمه حتى يأتيه اليقين، وجعل من الدلائل الواضحة والبراهين الساطعة على أن الخالق هو الله وحده لا شريك له، فلا إله إلا الله، ومعناها لا معبود بحق إلا الله وبهذا المعنى جاءت الرسالات من رب الأرض والسموات على لسان المرسلين، وقد بدأت أنوار النبوات والرسالات من لدن أبينا آدم –عليه الصلاة والسلام- إلى خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم المبعوث رحمة للعالمين إلى يوم الدين، وكان من فضل الله الكريم على عباده أنه لم يأت رسول لعباده في فترة زمنية محدودة، فأهل الفترة ناجون، وفي الجنة خالدون، وذلك فضل الله يأتيه من يشاء والله واسع عليم.

فالمولى –تبارك وتعالى جَدُّه- أنعم علينا بالخلق والرسالات، لنعيش في الحياة على ما يرضي الله مولانا –جل في علاه- ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾[الإسراء: 15]، وقال لخاتم الأنبياء والمرسلين: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾[الحجر: 99] والحمد لله وحده حمدًا كما ينبغي لجلاله أن جعلنا من أمة هذا النبي الكريم، الذي جعله مولاه خاتمًا للنبيين، ورحمه للعالمين، وشفيعا لنا يوم الدين -صلى الله عليه وآله وصحابته والتابعين وسلم تسليمًا كثيرًا- فقد أكرمنا مولانا العظيم الكريم بهذه الكرامة في الأولى والآخرة، لذا قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[آل عمران: 31].

فيا أيها المؤمنون ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[التوبة: 128].

فمن هذا النبي الكريم الذي كرم الله به أمته والعالمين؟ إنه سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم وينتهي نسبه إلى عدنان ومنه إلى سيدنا إسماعيل –عليه السلام- بن أبينا إبراهيم –عليه الصلاة والسلام والبركات في الدنيا والآخرة-، وهذا النسب الشريف الكريم اختاره المولى –جلت حكمته- لحبيبه وصفيه سيدنا محمد ليكون معدًا إعدادًا من بدايته إلى ولادته ليكون رحمة لجميع العالمين في هذه الحياة ويوم لقاء الله –جل في علاه-، ولذا ورد عنه –صلى الله عليه وآله وسلم وآله- أنه قال: "خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي , لَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ"[رواه ابن الجعد والطبراني والبيهقي في سننه الكبرى عن ابن عباس، والآجري والطبراني عن علي ورجالهما من الثقات([1])].

ولله در من قال:

نسب كأن عليه من شمس الضحى

 

نورًا ومن فلق السما عمودا

ما فيه إلا سيد وابن سيد

 

حاز المكارم والهدى والجودا

وبهذا البيان نقول: إن الله –عز وجل- واحد كما قال –تعالى-: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ﴾[محمد: 19]، وكذلك دين الله واحد وهو "الإسلام"، كما قال الله -جل جلاله-: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 85].

وعلى هذا الفهم المستقيم لدين الله رب العالمين نستطيع  أن نقول: إن المرسلين توزعوا على عباد الله -سبحانه- في كل زمان حتى ختموا بزمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى قال العلامة: عبد الغني النابلسي([2]) –رحمه الله ورضي عنه وأرضاه-:

 كل النبيين والرسل الكرام أتوْا

 

نيابة عنه في تبليغ دعواه

فهو الرسول إلى كل الخلائق في

 

كل الزمان ونابت عنه أفواه

وفي هذا المقام يقول نبينا – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-: "أنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر" [رواه الترمذي وقال: حسن غريب وله شواهد صحيحة، وكذا رواه الدارمي].

ويقول الإمام فخر الدين الرازي المعروف بابن الخطيب([3]):

أنت الذي لولاك ما خُلق امرؤ

 

كلا ولا خلق الورى لو لاكا

أنت الذي من نورك الدر اكتسى

 

والشمس مشرقة بنور بهاكا

أنت الذي لما رفعت إلى السماء

 

بك قد سمت وتزينت لسراكا

أنت الذي ناداك ربك مرحباً

 

ولقد دعاك لقربه وحباكا

أنت الذي فينا سألت شفاعة

 

ناداك ربك لم تكن لسواكا

إلى أن قال في نهاية القصيدة:

صلى عليك الله يا خير الورى

 

ما حن مشتاق إلى مثواكا

والحديث عن شمائل المصطفى الحبيب –صلوات الله وسلامه عليه- يطول ولا ينتهي، فكلنا يتحدث عنه بما يستطيع ولا زيادة، وقدره –صلوات الله وسلامه عليه وآله- لا يعرفه إلا مولاه، الذي خلقه وسواه، وأعدَّه برحمته وتولاه، ويكفينا أن صحابته في بداية دعوته امتلأوا حبا له، وإعجابًا به، حتى كانوا يقومون إجلالًا وتقديرًا وتوقيرًا ويجلسون ما عدا سيدنا حسان اين ثابت الذي كان لا يجلس إلا بعد جلوس النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ولما رآه –صلوات الله وسلامه عليه- بهذا الحال كلمه بما معناه لما ذا أنت هكذا؟ ولماذا لم تجلس كما فعلوا؟ فقال رضوان الله عليه:

قيامي للعزيز علي فرض

 

وترك الفرض ما هو مستقيم

عجبت لمن له عقل وفهم

 

يرى هذا الكمال ولا يقوم

هذا وبالله الموفق للصواب، والحمد لله رب العالمين


[1]مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (8/ 214).

[2] هو الشيخ العلامة العارف بربه صاحب التصانيف العديدة، والتآليف المفيدة: عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي الحنفي الدمشقي النفشبندي (1050 - 1143 هـ) ومن تآليفه: جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص للشيخ محي الدين بن عربي رضي الله عنه، وكشف السر الغامض شرح ديوان ابن الفارض، وتعطير الأنام في تعبير الأنام.

[3]هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري، فخر الدين الرازي ( 544 - 606 هـ)  الإمام المفسر صاحب التفسير الكبير، وهو غني عن التعريف.