
وليس الذكر كالأنثى
يمنى خالد لبنقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الرعد:3]
سنة الله في الكون أن جعل من كل خلق زوجين، دائمًا زوجين يكمّل بعضهما بعضا؛ لتكتمل صورة الكون، فالله تعالى خلق برًّا وبحرًا، ليلًا ونهارًا، شمسًا وقمرًا، ذكرًا وأنثى.
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ﴾ [آل عمران: 36] خلق الله تعالى لكل نوع منهما هوية خاصة تميزه وتجذب إليه النوع الآخر فيتكاملان، والهُوية هُوية جسدية وهوية عقلية وهوية شعورية، وبتناغم كل منهم مع هويته وبتكاملهم معًا يَعمُر الكون.
والله تعالى استخلف الإنسان في الأرض، وأول ما استخلفه عليه هي نفسه؛ فعلى الإنسان أن يفخر بما خلقه الله عليه سواء كان ذكرًا أو أنثى، فقوته في هويته التي فَطَرَه الله عليها، وكذلك عليه أن يتأمل ما أبدع الله في خلقه، وما طَبَعَ فيه وما طَبَعَ في الآخر من طبائع تكوينية تؤهل كل منهما ليؤدي دوره بإتقان في هذا العالم، فيفهم نفسه ويفهم الآخر ويقدره ويعذر طباعه.
وقد وَرَدَ عن الإمام أبي الحسن الشاذُلي أنه قال: «العاقل من عقل عن الله ما أراد به ومنه شرعًا...»[1] لذا فإن فهم الأحوال الشعورية للذكورة والأنوثة ليس بالأمر الترفيهي إنما هو أمر مهم لاستقامة الحياة.
الذكورة؛ كلمة فيها ما فيها من معاني الشدة والصلابة، الشجاعة والمبادرة، الحماية والدفاع، الرعاية والاهتمام، التأثير والثبات على المبادئ، الإصرار والتحدي والمنافسة.
وأما الأنوثة ففيها السكون، الرقة واللين، الاستقبال والاستيعاب، الأناقة والتميز، المرح والسعادة، الاستمتاع وإمتاع من حولها، اللطف والمحبة والإشراق، القوة الناعمة.
وإذا تأملنا نجد أن الله تعالى أهَّل كلًا منهما ليؤدي دوره بإتقان في هذا العالم، فكلاهما يحمل الصفات والأحوال الذكورية والأنثوية، ولكن تطغى إحداهما على الأخرى فنجد أن 70% أو يزيد من صفات الذكر صفات ذكورية والنسبة المتبقية هي صفات أنثوية، والأنثى أيضًا هكذا 70% أو يزيد من صفاتها صفات أنثوية والنسبة المتبقية هي صفات ذكورية، وقد يحدث أحيانًا أن يحتاج كل منهما إلى أن يتبنى حال الآخر ليؤدي مهمة معينة، فهذا أمر طبيعي ولكن بشرط ألا يدوم هذا الحال.
وإذا نظرنا نظرة عامة نجد أن الصفة الغالبة على الذكر هي العطاء، والأنثى تتميز بحُسن استقبال هذا العطاء، يعيش الذكر في عالم التأثير وتحيا الأنثى في عالم التأثر، يهب الذكر أنثاه مقومات الحياة، لِتَكُون الأنثى بسحرها باب الظهور الوحيد لهذه الحياة.
تتميز الأنثى باهتمامها بالعلاقات بينها وبين كل ما حولها، فالأنثى الحقيقية تهتم بأن يكون كل من حولها في سلام، ويمتد ذلك ليصل إلى مجتمعها بأكمله، وكذلك تتمتع بقدر عال جدًا من الاستيعاب، وهذا الاستيعاب هو ما يجذب الذكر إليها فهو لا يستطيع أن يقاوم هذا الحال، فهذا الحال يمثل له السكون الذي يبحث عنه ويُشعره بقيمته، وهذه هي قوة الأنثى؛ القوة الناعمة.
يتميز الذكر بالقوة الجسدية والنفسية، القدرة على المواجهة وحل المشكلات، التمسك بالقواعد والأصول والمبادئ، والصدق في الكلمة والوفاء بالعهود، هذا الثبات هو ما يجذب الأنثى إليه فهي لا تستطيع أن تقاوم هذا الحال، فهذا الحال يمثل لها الأمان الذي تبحث عنه دائمًا والذي يُشعرها بقيمتها؛ فثبات الرجل وسكون المرأة هما الحجر الأساس لتكوين بيت سعيد.
يختلف الشكل الأساسي للدعم عند الذكر والأنثى، فإن كان دعم الذكر كالماء للأحياء، فإن دعم الأنثى كالعافية للأبدان، فلا تصلح الحياة إلا بتكاملهما.
لا يكل الذكر السَوي ولا يمل من المبادرة والقيام بواجباته وتقديم الرعاية والاهتمام؛ ففطرة الذكر خدمة الأنثى بدلالة قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34] فهو يستجيب فطريًّا لرقة الأنثى ويبذل الجهد لتلبية احتياجاتها ودعمها دعمًا ماديًّا حقيقيًّا لتصل إلى أهدافها المادية والمعنوية بأمان، فهو مستمع جيد يستمع إليها ويتفهم احتياجاتها ويوصلها إليها من أقرب طريق؛ وهذا يُشعرها بقيمتها عنده، فتأمن على نفسها معه وتستكين له، وهذا يعود بالنفع عليه أيضًا فالذكر السَوي يسعد ويفخر بسعادة أنثاه به، ويفخر بما تصل إليه لأن القدرة على إسعادها فطرته.
وهذا ما كان من خير الرجال صلى الله عليه وآله وسلم حين أخبرته السيدة عائشة بقصة عشر نساء وأحوال أزواجهن معهن، ثم ختمت بقصة أم زرع وأبي زرع وكيف كانت الحياة بينهما وكم أغدق عليها وأكرمها لكنه في النهاية طلقها، وهو صلى الله عليه وآله وسلم يستمع إليها في هدوء حتى قال لها: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِى زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ» وفي بعض الروايات: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِى زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ إِلَّا أَنَّ أَبِى زَرْعٍ طَلَّق وَأَنا لَا أُطَلِق».
أما الأنثى السَوية فلا تكل من تقديم الدعم والمساندة فقد فطرها الله تعالى على التأثر والاستيعاب، فالأنثى عندها قدرة هائلة على قراءة مشاعر من حولها، وفهم احتياجاتهم بدقة؛ فهي تستقبل بكل كيانها وحواسها، تتفاعل مع ما استقبلته من طاقات مختلفة، تستر العَيْب والضعف، تسلب الطاقات السالبة وتُخرِج طاقات جديدة متجددة فيها ما فيها من الحيوية والأمل والسلام، كما أنها ترى الكثير من التفاصيل التي لا يراها الذكر، لذا فهي قادرة على الاعتناء به وبكل شئونه لكنها تقوم بهذا الدور بكل هدوء؛ فالأنثى السوية آية من آيات الله كما أخبرنا بذلك عز وجل حين قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾[الروم: 21].
ولعل خير مثال على هذا ما كان من السيدة خديجة سيدة نساء العالمين مع زوجها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يروي الإمام البخاري هذا في صحيحه يقول:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِى النَّوْمِ فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِىَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِى غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضى الله عنها فَقَالَ زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِى فَقَالَتْ خَدِيجَةُ كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِى الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِىَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِىَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِى مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِى نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم يَا لَيْتَنِى لَيْتَنِى فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِى أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَمُخْرِجِىَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِىَ وَإِنْ يُدْرِكْنِى يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ وَفَتَرَ الْوَحْىُ.
والذكر السَوي تجده دائمًا في تناغم وانسجام مع أهل بيته، يهتم بقضاء وقت ممتع معهم، يشاركهم ما يصنعون كما جاء عند الإمام البخاري حين قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضى الله عنها مَا كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِى الْبَيْتِ قَالَتْ: «كَانَ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ خَرَجَ»، وهذا الانسجام يُمد الذكر بما يحتاج من مشاعر الدفء والحنان، فيعود للعالم الخارجي قادرًا على المواجهة والتحدي من جديد لأجله ولأجل أسرته السعيدة.
وكذا نجد أن له دورًا بارزًا في تعليم أبنائه المسئولية والالتزام بالمبادئ والالتزام بالوعود، والالتزامات الاجتماعية، وتشجيعهم حتى يكون لهم دور تأثيري في مجتمعاتهم، كما أنه ملجأ للدعم وتقديم الحلول والتوجيه بحنان بالغ بلا تجريح أو انتقاص، ولأن للذكر دائمًا نظرة شمولية للأمور نجده يُرسي القواعد والأصول لأسرته، ويهتم بتحقيقها ليضمن استقرار الأسرة وحمايتها من الأخطار والوصول بها إلى بر الأمان.
حتى إن الشريعة الإسلامية احترمت فطرة الذكر السَوي واهتمامه بتأمين بيته وأسرته فجعلت من حقوقه الشرعية ألا تخرج المرأة من بيته إلا بإذنه، وألا تُدخِل أحدًا إلى بيته إلا بإذنه.
أما الأنثى السَوية ففي بيتها تهتم بكل التفاصيل، تعبر عما تريد بألطف الأساليب لا تجرح أحدًا، ترغب في أن يكون كل شيء مثاليًّا ومتميزًا، وأن يجد كل أفراد أسرتها راحتهم، تقضي وقتها تخطط كيف يفرح أهلها وكيف يقضون وقتًا ممتعًا، تهتم بكل فرد منهم وبكل تفاصيله واحتياجاته، تكرم الجميع وتغدق عليهم.
لا تتنازل عن الأمان والسلام وتقاتل لِيَعُم هذا الحال على بيتها، تهتم دومًا بالتجديد والتنوع والاختلاف حتى إن الله تعالى قال عنها: ﴿أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين﴾[الزخرف: 18]، الأنثى السَوية مركز عاطفي يأتي إليها الجميع كلٌ يحمل ما يحمل من الهموم، ثم ينفصلون عنها مفعمين بالطاقة، فهي كشمس لا تنطفئ أنوارها.
والمتأمل لمبادئ الشريعة الإسلامية يجد أن في ضوابطها الحاكمة لطبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى احترمت فطرتها في مواطن كثيرة، وضمنت لها ما يحقق لها الأمان، فنجد أن من حقوق الزوجة حق المسكن والملبس والمأكل، فلابد أن يؤمن لها زوجها هذه الاحتياجات الأساسية، كما نجد أيضًا أن الشرع منع زواج البِكر بدون ولي؛ فالبِكر لم تمر بتجربة الزواج من قبل، وهذا يدل على احترام طبيعة الأنثى وعاطفيتها التي قد تؤثر على قرارها، فاحترام الشرع احتياجها الشديد لرجل حكيم يساعدها في اتخاذ قرار صائب، وجعل هذا من شروط زواجها.
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ﴾ [آل عمران: 36] هذه فطرة الله التي فطر عليها الكون، فليتأمل كل منا حاله، ولا يتنازل عن هُويته وفطرته ويحيا كما أراد الله منه؛ فإن قَلْبَ الفطرة يؤدي إلى اضطراب الإنسان، ومن ثَمَّ اضطراب الأسرة والمجتمع وتدمير الإنسانية بأكملها.
[1]العاقل من عقل عن الله ما أراد به ومنه شرعًا، والذي يريد الله بالعبد أربعة أشياء إما نعمة أو بلية أو طاعة أو معصية؛ فإذا كنت بالنعمة فالله تعالى يقتضي منك الشكر شرعًا، وإذا أراد الله بك البلية فالله يقتضي منك الصبر شرعًا، وإذا أراد الله منك الطاعة فالله يقتضي منك شهود المنة ورؤية التوفيق منه شرعًا، وإذا أراد الله بك معصية فالله يقتضي منك التوبة والإنابة شرعًا، فمن عقل هذه الأربعة عن الله وكان فيها بما أحب الله منه شرعًا فهو عبد على الحقيقة، بدليل قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ «من أعطى فشكر، وابتلى فصبر، وظلم فاستغفر، وظُلم فغفر، ثم سكت فقالوا: ما له يا رسول الله؟ قال: أولئك لهم الأمن وهم مهتدون» درة الأسرار [ط. المطبعة التونسية الرسمية ص86].