السنة الثانية ذو الحجة 1443 هـ - يولية 2022 م


إيمان الريطب
وليس الذكر كالأنثى
إيمان الريطب

خلق الله الكون على الاختلاف وجعله سُنّة وجودية غايتها التعارف والتكامل. الاختلاف عنوان الإبداع  فهو ميزة تُحقق الانتفاع من الطاقات المتنوعة وتَضمن توسعة دائرة المصلحة العامة والخاصة، فكل مخلوق له من الصفات ما يدر به النفع على باقي المخلوقات. نعم، إنه كونٌ تكاملي.

البُنيان البشري عنصر تدور حوله الأكوان، ومن أهم سمات هذا العُنصر العظيم اختلاف صفاته بين الذكر والأنثى، اختلاف فطري جعل بينهم ما يوجب التجاذب الحِسي الذي ضَمن بقاء العنصر البشري وبالتالي عمران الأرض، فلَولا هذا الاختلاف ما بقي نَسل ولا نشأت حضارة.

تختلف صفات المرأة والرجل من زوايا متعددة: جسدية، نفسية، سلوكية. لكن لعلنا نُجملها في صفتين أساسيتين يتضح من خلالهما الكثير من السلوكيات والأفكار  وربما ملامح من حكمة بعض الأحكام الشرعية الخاصة بهما.

للأنثى صفة الود (عينٌ فاحصة)

وللذكر صفة القوة (عينٌ حارسة)

من المَشاهد التي تلفت أنظار المتأملين في معنى (وليس الذكر كالأنثى) مشهد أصل الخلقة، ذلك الموقف العظيم الذي خلق الله فيه سيدنا آدم من طين ونفخ فيه روحه، ثم خلق من ضلعه أُمَّنا حواء، فكان الطين دلالة على القوة، و الضلع دلالة على الحياة، جنسان مختلفان جعل فيهما ربنا سبحانه وتعالى من الصفات التكوينية ما يتناسب، والمهام المسخران لها، والميادين الملائمة لهما.

صفة الود

كثيرًا ما يَذهب الإنسان إلى معاني الإحساس المرهف عند الحديث عن الود، لكنه معنى وإن حوى هذا المعنى فيه من اللطائف الشيء الكثير، إلا أنه وكما عرفه أهل الله هو بذل ما يحب المحبوب. ومعرفة المحبوبات يحتاج إلى عين فاحصة وآليات خاصة: طاقة مشاعر تحفها الحكمة والذكاء، وإدراك للزمان والمكان وتواصل مع الموجودات والمحسوسات، وفن السؤال وإدراك الإجابة، ملكات تجعل المرأة تفهم ما أفْصِح عنه وتستشف ما أُضمِر من المرغوبات. مهمة قد تبدو صعبة وهي فعلًا كذلك في وقتنا الحاضر إلا أنها لم تكن بهذه الصعوبة في الماضي القريب فقد تعامل من قبلنا مع هذه المعاني بسلاسة، لكن وبسبب تغير بيئة نشوء هذه الصفة الخلَّاقة واحتكاكها بشكل كبير ومستدام بمواطن صفات الرجل بدأ الفقد وبدأت الصعوبة!

صفة الود بهذا المعنى عبارة عن ملمات حسية و إدراكات باطنية تجعل المرأة  في تواصل مع ذاتها ومحيطها، تُحسن تقدير مواطن الحركة والسكون، تحسن تقويم اللحظة ومتطلباتها بغير إرهاق فكري ولا إجهاد معنوي، وهذا ما يجعلها طاقة حكيمة تضع الشيء في موضعه.

إنها صفة ودودة  تمد بخيوط الصلة والرحمة ولا تسعى إلى الانقطاع عن الكون أو الانفصال عن الروابط الأسرية، فهي صفة تملك من الوعي العاطفي ما يجعلها تحافظ على أواصر الرحم وحقوق الجوار.

صفة الود تحِب الجمال وتنجذب إلى الذوق وتتقلب في معاني الحسن الظاهرة والباطنة فليس من شيء يوقظ شغفها بالحياة إلا كل ما هو جميل من كلمة أو صورة أو سلوك، و ما زال الجمال يَملك عليها لُبَّها حتى استزادت منه في ما حولها فعُرف عنها الزينة والحُلي والعطور وجمال بيتها ونظافة مقرها.

إنها طاقة احتواء عظيمة، وإن كان الرجل بطاقة القوة يحتويها ويحميها من الحوادث الظاهرة فإنها وبطريقة خفية تحتويه وتبث فيه الأمان الباطني، وتبعث فيه اليقين والثبات وتعزز الكرامة والثقة وتحرك فيه مواطن الجسارة، ربما بكلمة تجعل شمس الأمل تشرق من جديد؛ فيسكن إليها ويهرع لحماها في الشدة والرخاء كي تَمده بالقوة التي يحتاجها لمواجة صعوبات الحياة.

ولنا في موقف السيدة خديجة مع سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم معانٍ أعجزت العقول والقلوب. فلا عجب أن تميل هذه الصفة إلى أن تكون تحت ظل سيادة عظمى، فهي تميل إلى الكمون تحت آيات الجلال، فالمرأة إذا عَظَّمت سيَّدت.  إن سكونها هذا وعدم اكتفائها بذاتها يزيدها جمالًا ودلالًا وإلا فأي دلال ستشعر به وهي في مواطن الصدارة، وليس المقصود من الصدارة المشاركة في العمل ولكن المقصود اعتقاد المرأة أنها لا تحتاج إلى سيادة أو حماية أو عين حارسة لها، تفعل ما تشاء أنَّى شاءت دون اعتبار لشيء إلا ذاتها.

 إن هذا السلوك أكثر ما يخدش حياء هذه الصفة الخَلاَّقة، اكتفاءها بذاتها وإظهار عدم احتياجها لقوة أخرى، هذه فكرة تضعف طاقتها وتبعث فيها بواعث الصلابة والخشونة الباطنية. والواقع شاهد على هذه المشاهد، الموازين التي انقلبت والأدوار التي تغيرت، فلا تكاد المرأة تعلم إلى أي أرض تنتمي!

تضرر هذه الصفة عند المرأة شوّش أفكارها وأحاسيسها وجعلها تُقوِّم المواقف من مواطن الرجل، فعكَّرت صفو أفكارها الأوهام، وتمرَّد باطنها على الأحكام، وتزينت بالجلال والروح عطشى إلى رياض الجمال، ومعاني الصلة والدلال.

  إن وجودها في غير بيئتها وتحولها  إلى موطن القوة والمدافعة جعلها في حالة غضب، لمَ هو لا يفعل كذا؟ ولم أنا لا أفعل كذا؟ لا فرق بيننا؟ وإحساسها صادق لأن الرجل تخلى عن بطولته، إلا أنه إحساس يؤذيها ويشرد بها يومًا بعد يوم عن طبيعتها، ويزيدها إنهاكًا وغضبًا وتعبًا. ليس هذا فحسب بل هناك سبب آخر أعمق وأجلّ وهو انقطاعها عن المعاني الربانية والمعارف الإلهية التي تتوافق مع ما تحمله كل أنثى بداخلها ولا تتصل به إلا بمثال حي يسقي معارفها ويبني قصورها ويحيي مذكورها، فلا غنى عن المعونة الظاهرة والباطنة في كلتا الحالتين.

إن المتأمل بعمق في هذه الصفة يرى أن الشرع الحنيف ما منع المرأة من شيء إلا وكان فيه عدم تناسب مع صفتها كالإمامة بالرجال في الصلاة، ولا أباح لها شيئًا إلا ودلها على الأنسب منه (وصلاتها في بيتها خير) وهكذا ما من شيء لها أو عليها إلا من بحر الود والوصال، ومن أدرك هذه المعنى وجد في قلبه الرضا عن الله ورسوله.

قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:  (تَزوَّجوا الودودَ الولودَ، فإنِّي مكاثرٌ بِكمُ يومَ القيامةِ)

  يأتي السؤال الذي ربما يدور في خاطر القارئ في هذا المقال، أين الرجل من هذا؟

صفة القوة

صفة تجمع معاني القُدرة، التَحمل والمواجهة، طاقة جلالية ميزتها الحماية والرعاية والدفع، بعيدة عن التسلط والتملك، طاقة فاعلة مبادرة غير اتِّكالية ولا انتهازية، تَعرض المساعدة على الأنثى. صفة قوَّامة مُنفقة، تحفظ البيت من العوامل الخارجية، تستر حرمة الأنثى وتَفْديها، لا تدفع بها للمضرة ولا لمواطن الهرج والمشقة.

صفة كبيرة تملك من الرزانة ما يمكنها من اتخاذ القرار، بواقعية وتضبط القرارات المشاعرية حولها، عين حارسة تُقدِّر مشاركة المرأة وتراقبها من بعيد للحماية والتأييد.

صفة جلالية تُقدر البيت وتتفقد أحوال من تُعيل، تصبر على تقلب الأحوال ولا تقابلها بالتبكيت والتعنيف.

تحب من يندرج في حمايتها ويلجأ إليها ويعبِّر عن احتياجه لها. التقدير والتعظيم يلبِّي احتياجها ويزيد طاقتها ويَعْبُر بها إلى آفاق جديدة.

 تفر هذه الصفة من الصدام، وتستفزها الإهانة والتوبيخ، تكره الحطّ من قدر الرجولة سواء بالقول أو الفعل أو الإيماءة، وتميل إلى الود وتجد فيه المسكن والملاذ. تضرر هذه الصفة عند الرجل جعله متسلطًا لاذعًا أو خاضعًا خنوعًا وفي كلتا الحالتين هو اتكالي يعتمد على المرأة ويضع على عاتقها المهام، يفقد حس المسؤولية ويعيش حياة عزوبية موازية للحياة الزوجية فأصبح يميل إلى الرغبة في التدليل بدل التقدير.

تضرر هذه الصفة جعل الرجل كذلك يفقد حس اللياقة واللباقة في تعامله مع الأنثى سواء بنته أو أمّه أو زوجته فهو يراها بعين اليد العاملة للخدمة لا للتأمل والتقدير، غياب هذه الميزة أثَّر سلبًا على المرأة وقلَب عندها موازين المشاعر والأفكار وكذلك القرارات.

تضرر هذه الصفة جعل الرجل يستمد قوته من إهانة المرأة وأذيتها بل ويرى في تقديرها أحيانًا ذلًّا وهوانًا.

 نماذج عديدة من أشكال تضرر هذه الصفة قد تجتمع كلها أو بعضها لكن في جميع الأحوال لا غنى عن المثال الحي الدال على مكارم الأخلاق لتعود الأمور إلى نصابها، فيتعلم به المرء مكارم الأخلاق ومقامات النبوة في التعامل مع الأهل، ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) هكذا قال النبي الكريم العظيم الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.

الذكر والأنثى كلاهما إنسان، سمته النقصان، ولكنهما متكاملان على بساط الأكوان، تُجللهما المعارف وتُجملهما المعاني، وبغير هذه المباني تسوقهما النفس إلى دروب التيه والشرود عن فطرتهما البشرية وحقيقتهما الربانية.